طارق ترشيشي_خاص الأفضل نيوز
لم يأتِ الموفد الأميركي توم براك ونائبته مورغان أورتاغوس الى لبنان بجديد من إسرائيل يبعث على الأمل بإيجاد حل يحقق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب ويوقف العدوان المتواصل ويؤدي الى تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701. بل إن ما حمله هذا الموفد المراوغ والمخادع يبعث على الخوف من يكون لبنان على أبواب "أيلول أسود" جديد هو هذه المرة من طبيعة أميركية ـ إسرائيلية وينظوي على مخاطر كثيرة وكبيرة...
وإذ كان منتظرًا أن يأتي بخطوة إسرائيلية بالتزام وقف إطلاق النار والانسحاب من النقاط السبعة لا الخمسة المحتلة،مقابل خطوة لبنان بحصرية السلاح بيد الدولة، جاء براك بشرط إسرائيلي أن يتم نزع سلاح حزب الله قبل أي انسحاب أو وقف للنار، مصطحبًا معه وفدًا أميركيًا "جرارًا" ومتطرفًا يدعم الموقف الإسرائيلي بشدة وينادي بالقضاء على حزب الله كليا شرطا لتحقيق "لبنان المزدهر" الذي ينادي به الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقد تصدر هذا الوفد السيناتور ليندسي غراهام المعروف بتأييده القوي لإسرائيل والمعادي لحزب الله بشدة.
خلاصة الزيارة الأميركية كشفت عن أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تعملان بقوة معًا لفرض اتفاقات أمنية متوازية بين إسرائيل وسوريا وبين إسرائيل ولبنان، تكون مقدمة لاتفاقات تطبيع أو سلام، على طريق تنفيذ مشروع "تغيير وجه الشرق الأوسط" تمهيدًا لإقامة "إسرائيل الكبرى" التوراتية التي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خريطتها التي تشمل لبنان وسوريا والعراق والكويت والأردن ومساحات كبرى من شمال المملكة العربية السعودية .
وإذا كان البعض اعتبر أن نتنياهو يكبر الهدف ويوسع الخريطة للوصول في النهاية الى "إسرائيل كبرى" حدودها من نهر الأردن الى البحر المتوسط بعد تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة العربية، فإن ذلك لا ينفي على الإطلاق أن إسرائيل الكبرى التوراتية هي هدف إسرائيلي مرحلي واستراتيجي لن تتخلى عنه إسرائيل إذا لم يهب العرب قاطبة لمواجهتها، لأن الوقاحة الإسرائيلية والتجرؤ على العرب بلغا مبلغًا ينبغي أن لا يُسكت عنه بعد اليوم. وغالب الظن أن إسرائيل إذا لم تحقق هذا الهدف بالحرب فأنها تعمل للوصول إليه بـ"التطبيع" لتحقق مقولة "حدودك يا إسرائيل من الفرات الى النيل".
كان براك ومن أتى معه وعدوا بخطوة إسرائيلية بالانسحاب والتزام وقف النار وإطلاق الأسرى مقابل خطوة لبنان بالموافقة الورقة ـ الخطة الأميركية ولكنهم جاؤوا يشترطون نزع سلاح حزب الله أولاً، حتى تبني إسرائيل بعده على الشيء مقتضاه، وطبعا وبالتجربة مع الدولة العبرية سيكون المقتضى مطالب إسرائيلية جديدة من مثل عقد معاهدة سلام أو تطبيع، خصوصا وأنها ترى أن القيادة السورية الجديدة تفاوضها على اتفاق أمني ربما سيتوج بلقاء بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ونتنياهو في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستفتتح في 9 أيلول المقبل.
ولكن السلطة اللبنانية أحبطها ما حمله براك وصحبه في الوقت الذي تنتظر أن تتسلم من قياة الجيش الخطة التنفيذية لقرار مجلس الوزراء بحصرية السلاح بيد الدولة تمهيدًا لإقرارها في جلسة حكومية في 2 أيلول المقبل ووضعها قيد التنفيذ العملي، ما جعلها تتريث قبل اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه، ولربما أرجأت انعقاد هذه الجلسة الى أجل غير مسمى لأن كل المؤشرات تدل الى أن إسرائيل ليست في وارد الانسحاب وهي ماضية بدعم أميركي واضح في حربها للقضاء على حزب الله، ولو كانت لديها نيات سليمة ورغبة بالتوصل الى حل لردت على الخطوة اللبنانية بخطوة مماثلة تفتح باب الحلول. ولذلك فإن الوضع ذاهب الى مزيد من التعقيد وسط توقعات داخلية وخارجية بأن أيلول المقبل سيشهد أحداثا وتطورات خطيرة وكثيرة.
ويقول أحد المشاركين في اللقاءات اللبنانية ـ الأميركية إن واشنطن وخلفها تل أبيب تمكنتا حتى الآن من تفجير خلاف داخلي لبناني حول موضوع السلاح لتشيحا الأنظار عن ملف الجنوب ومطالبة إسرائيل بالتزام وقف إطلاق النار والانسحاب من المناطق التي تحتلها، وقد ساعدهما على ذلك اندفاع بعض الأحزاب والقوى اللبنانية التي لا تفقه معنى السيادة الى الضغط على الحكومة لاستصدار قرار حصر السلاح فجاء هذا القرار تنازلا مجانيا وتفريطا بنقاط القوة التي يملكها لبنان لفرض شروطه وتحقيق الحل الذي يحفظ السيادة اللبنانية.
الأوساط الرسمية تقول إنه في ظل التعنت الإسرائيلي سيدرس مجلس الوزراء الخطة التنفيذية لحصر السلاح ويقرها، أما أمر الشروع في تنفيذها من عدمه سيكون له بحث آخر، في وقت قال رئيس مجلس النواب نبيه بري في تصريحات له إن الأوضاع بعد زيارة براك "ذهبت الى التعقيد مجددًا"، معتبرًا "إن كل أمر يؤدي إلى خلاف في البلد مستنكَر".