رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
يشهد لبنان تصعيداً إسرائيلياً عسكرياً غير مسبوق، في الوقت الفاصل بين إعلان الردِّ الرسمي اللُّبناني حول وقف إطلاق النار، وإرسال هذا الردِّ إلى واشنطن، ومجيء آموس هوكشتاين، حيث تتواصل عمليات التدمير الإسرائيلية في الجنوب والضاحية والبقاع، مع توسيع عمليات الاغتيال لتطال قلب بيروت، باغتيال العدو الصهيوني مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف، ومجموعة من مساعديه في رأس النبع، وكذلك عملية الاغتيال التي طالت قياديًّا عسكريًّا في كراركول الدروز- مارالياس، وهي جرائم باتت معروفة بأنها تصبُّ في خانة وسياق التفاوض تحت النار، وهو ما يزيد من حالة الخوف لتفلُّت نتنياهو من أية ضوابط، وحتى حينه لم تصل أي أجواء جديدة من واشنطن، لكن معلومات من مصادر ديبلوماسية عربية وأوروبية حصلت عليها "الأفضل نيوز"، تشير بأن انفتاح لبنان وتفاعله بموقفه الإيجابي سيساعد في خلق مناخ ضاغط على إسرائيل، من أجل السير بالاتفاق ومباشرة تنفيذه، وربما يُغلق طريق المناورة التي يتميُّز نتنياهو بسلوكه، خاصة في حالته المتعطشة للدم والقتل، أقله حتى تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب منتصف كانون الثاني المقبل.
وقف الحرب في لبنان، يشكل فائدة أكيدة لكل من نتنياهو والإدارة الأميركية حالياً، فكل التيارات السياسية في الداخل الإسرائيلي، تروِّج لرئيس الحكومة: بأن ما بين يديه اليوم من إنجازات يستطيع أن يُطل بها على الجمهور المتطرف بحال قرّر وقف الحرب، وأن وقف الحرب ربما أيضاً يشكل فائدة للإدارتين الأميركيتين- الجمهورية والديمقراطية في أميركا، فالطرفان بوسعهما إدعاء القدرة في تحقيق إنجاز الصفقة، لتبدأ إدارة ترامب خط سيرها، والدخول إلى البيت الأبيض نظيفة الكفين، من زاوية تصلح لمقاربة ما يجري من اتصالات لتفعيل الديبلوماسية الخارجية وفق رؤية الرئيس الجديد.
من جانب لبنان ليس في حسابات المقاومة من عناصر قوة، سوى العمل والدفع والضغط وتحقيق النتائج العسكرية، لإرغام العدو على الإقرار باتفاق، لا يعطيه أي حق بمفاعيل تدخُّلية تضرب السيادة اللبنانية، وتقطع أي طريق يمنح العدو أفضلية فرض شروطه، وتترك للوقائع إثبات قدراتها على إيلام العدو، ومنعه من تحقيق أهدافه بعودة آمنة لسكان المستوطنات إلى الشمال.
إن ما تكشفه المعلومات المتداولة والكلام المنقول عن الوسطاء، يؤكد أن المفاوض الرسمي اللبناني ليس بوارد القبول بأي بند يخدم إسرائيل، لأنه حتماً سيقود إلى فتنة داخلية، علماً أن الرئيس بري ليس بوارد، ولا يتصرف، بأنه في موقع من يجب أن يقدِّم التنازلات، أقله من زاوية موقعه التمثيلي كرئيس لمجلس النواب، وبما يتربَّص به البعض في الداخل، وما يُحاك من كمائن لدفن المقاومة والتخلُّص منها.
هي أيام قليلة مقبلة، لا أحد يعرف سرَّها، لأن المفاوضات بدأت، والوسيط الأميركي الذي يتولى إدارة المفاوضات، يمثل تقاطع التوافق للإدارتين الأميركية الراحلة والمقبلة، وهو أيضاً لم يكن (أي هوكشتاين) ليُقدم على خطوات كهذه، ما لم يكن حاصلًا على بركات وطلب كل من إدارة ترامب وبايدن، ولهذا هو انتظر في واشنطن وصول "رون دريمر” المبعوث الإسرائيلي، ليكمل المهمة التي شهدت تطوراً خلال المفاوضات معه، قبل التوصل إلى صياغة تناسب إسرائيل، ومراجعة ترامب، قبل عودته إلى تل أبيب .
أظهرت المقاومة في غزة، والمقاومة في لبنان، أن ابتلاع أو تدمير قوى المقاومة على أرضها ليست بالقضية البسيطة، رغم كل الضربات الجوية، والجسر المفتوح بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والمسيَّرات والمدافع ووحدات النخبة، فقد صمد حزب لله في الميدان ولا يزال، وكبَّد جنود لواء غولاني وضباطه خسائر مؤلمة، وتمكَّنت المسيرات الانقضاضية للقوة الجوية في حزب لله من قضّ مضاجع الاحتلال في مدنه كافة..
فعلى وقْع هذه المعطيات، يعاود آموس هوكشتاين مفاوضاته، وتصبح معارك الميدان مكاسب أمنية وإستراتيجية، يحاول كل من الطرفين اللُّبناني والإسرائيلي إثباتها، رغم أن تل أبيب تبحث عن أمن استراتيجي، صار على حساب إبادة شعوب وجماعات، من فلسطينيين ولبنانيين وغيرهم، وصار من الصعب الرهان على مهمته، ما لم يكن أمن لبنان وسيادته الوطنية على الطاولة، فالمعتدي ليس هو من يبحث عن الأمن، بل المعتدى عليه، ومن الخطأ إعلان الهزيمة، في عزِّ أيام الصمود الميداني على أرض الجنوب، رغم ضغوطات العدو الإسرائيلي بجولات من القصف الصاروخي العنيفة والمكثّفة، وتنفيذ سلسلة اغتيالات في عمق العاصمة بيروت في رأس النبع ومار الياس، ضمن سياسة تشديد الخناق على بيروت للقبول بالشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، والآن يَخطف الداخل اللبناني أنفاسه بانتظار وصول المفاوض الأميركي.
بحسب مصادر ديبلوماسية رسمية كشفت لنا، بأن الرئيس بري قد تسلَّم رد حزب الله على المقترح الأميركي، ليسلمه إلى السفارة في عوكر، التي سلمته بدورها لواشنطن، فيصار بناءً عليه، تقرير زيارة هوكشتاين إلى بيروت، وبحسب المعلومات، فإن النقاش الداخلي تناول مسألتَي لجنة مراقبة تنفيذ القرار، والهامش الذي تتمسّك به إسرئيل في التدخّل عند الضرورة، بعد سريان الاتفاق في حال تم رصد خرق من جانب الحزب، أو تقصير من جانب الجيش اللبناني، فالجواب اللبناني على المقترح الأميركي، هو نتاج اتّصالات لا تزال ناشطة والأمور مرهونة بخواتيمها.
أما فيما خص الرد اللُّبناني على المقترح، فقد كشفت معلومات صحافية، بأنه ردٌّ لن يكون مفصّلاً، إلاَّ ما يمكن أن يكون محطّ نقاش موسّع مع الموفد آموس هوكشتاين حين يصل إلى بيروت، لكنّ الأكيد سيكون رفض تكريس أيّ دور عسكري وأمنيّ لتل أبيب، تحت عنوان صدّ الخروقات، ورفض توسيع عضوية لجنة المراقبة المولجة مراقبة تنفيذ القرار 1701 ، أو توسيع مهامّ اللجنة الثلاثية الحالية المؤلّفة من لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة، مع عدم ممانعة زيادة عديد قوات اليونيفيل.
بالتأكيد، سنكون أمام ساعات مقبلة حاسمة، في سياق الفصل بين خيار وقف إطلاق النار، وتنفيذ مسوّدة الإتفاق بين الجانبين الإسرائيلي واللُّبناني، أو الدخول في مرحلة استنزاف طويلة، إلى ما بعد تسلّم إدارة الرئيس ترامب مقاليد الحكم، وهو ما سيمنح إسرائيل، فرصة تاريخية قد لا تتكرّر فتكثِّف الضربات العسكرية لتحقيق تقدم ميداني، لفرض شروط قاسية على لبنان، وتنفِّذ أوسع عملية تدمير بتوسيع رقعتها الجغرافية، لفرض أمر واقع يرفع تكاليف إعادة الإعمار إلى مستوى قياسي، وتأليب الرأي العامّ اللبناني، حيث بدأت مفاعيله تظهر من خلال عمليات القتل الجماعي للمدنيين والنازحين وتمدُّد القصف إلى عمق بيروت ولبنان.