نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
قد نختلف في النظرة إلى بدايات الحرب , أو إلى نهاياتها، ولطالما احترفنا ثقافة الخلاف والاختلاف، لكنها الحرب , وقد وقعت، مثلما تضيء نقاط القوة , تضيء نقاط الضعف . وإذا كان شعار ونستون تشرشل , لدى بدء طائرات الماريشال الألماني هيرمان غورينغ بقصف مدينة لندن في 7 أيلول عام 1940 , "لنصنع من نقاط الضعف نقاط القوة" .
على بعض شاشاتنا , كان هناك من يجعل من نقاط قوتنا نقاط ضعف , كما لو أننا لا نواجه أعتى أنواع البرابرة عبر الأزمنة .
هنا النموذج اللبناني , وهناك النموذج الإسرائيلي . في الأول ديناميكية التفاعل , والانفتاح , بين مختلف المكونات الثقافية , والايديولوجية , والتاريخية . وفي الثاني ميكانيكية الانغلاق , وإزالة الآخر .
لبنان لا يستطيع أن يكون الغيتو , ولا الصومعة , وقد وصفه الشاعر , والسياسي , الفرنسي , لامارتين بـ"أريكة القمر" . لاحقاً قيل "أريكة الآلهة" !
هذا وقت للمفترق (كيف نكون؟) . لنأخذ المثال من الدول أو المجتمعات الأخرى التي عاشت أهوال الحرب , وكيف أدارت القيادات السياسية عمليات الخروج من الركام . هكذا قال المستشار الألماني كونراد اديناور"مهمتنا ألا يبقى هناك من أثر لذلك الركام الذي قد يستوطن وعينا . لندع ألمانيا الرائعة هي التي تقودنا" .
عندنا قال المطران الجليل جورج خضر , وهنا مصيبتنا الكبرى , "لبنان واقع ركام لا واقع جماعة" . أي حرب في العالم لا بد أن تحدث تغييراً في البنية السيكولوجية , والفلسفية , للدولة أو للمجتمع . هل لنا , وقد عشنا كل ويلات الحرب , أن نخرج من الركام إلى ما يقودنا نحو لبنان (كواقع جماعة) ؟ لبنان الذي يقودنا ...
مثلما تتوالى الأسئلة في لبنان عن اليوم التالي , ولا جواب . تعلو الصرخات في إسرائيل , وحيث يحكى عن الأسطورة وقد تحولت إلى "كوميديا لاهوتية" . الجنرال اسحق بريك رأى "كيف كان سقوطنا في لبنان هو السقوط في الهاوية" . سأل "أي جيش في إسرائيل الآن ؟" , وهو الذي تشكل من كوكتيل المنطمات الإرهابية مثل شتيرن والايرغون والهاغانا , العمود الفقري لوجود الدولة , وأيضاً لبقائها .
أولئك الآتون من قاع الايديولوجيات ومن قاع الأزمنة يصفون بالتراجيدي ذلك التصدع الذي ضرب المؤسسة العسكرية , ليقال "لقد انتهى زمن موشي ديان , واسحق رابين , وآرييل شارون" . هذا زمن هرتسي هاليفي الذي يوصف حيناً بـ "الصبي الغبي" عند قدمي بنيامين نتنياهو أو بـ"العصا التي في دماغ الذبابة" .
خشية النخب المعارضة من أن يكون نتنياهو مايسترو المرحلة المقبلة , بعدما سبق ليوسي ساريد وسأله ما إذا كان "حاكم دولة أم حاكم مقبرة" . زوجته سارة هددت بالهجرة "لنترك إسرائيل وهي تحترق" , وهي التي أوحت بأنه إذا ما غادر زوجها المسرح , فسيصيب الدولة اليهودية ما أصاب المملكة اليهودية غداة وفاة الملك سليمان (931 قبل الميلاد) , أي حرب القبائل , أو حرب الأسباط , التي استمرت لعقود طويلة .
من هو بنيامين نتنياهو الآن ؟ من أطرف ما قرأنا . ليس بـ"الأسطورة المنكسرة" , كما وصفت "هاآرتس" أرييل شارون حين دخل في الغيبوبة . أنه العصا المنكسرة . كيف يمكن , والحال هذه , أن يكون المايسترو أو أن يكون زعيم الدولة ...؟
كثيراً ما تحدثت الفيلسوفة اليهودية الأميركية جوديث باتلر عن "أوركسترا المجانين" في إسرائيل , لتسأل عن مصير "أولئك الذين يقرعون الطبول بأحذيتهم" .
لبنان كان بوابته إلى "تغيير الشرق الأوسط" . كثيرون قالوا له إن دونكيشوت لم يكن يهودياً . الآن "دونكيشوت اليهودي" , وإلا كيف له أن يرفع ذلك الشعار (تغيير الشرق الأوسط) الذي عجز الأباطرة , والقياصرة , عن تنفيذه . في مواقع التواصل "يا بيبي العزيز , إسرائيل هي التي تغيرت" , و "لولا أميركا لما كنا , ولم يكن لنا أن نبقى" .
إذاً , من "أمبرااطورية يهوه" التي كان يراها على قاب قوسين , إلى بطانية الصوف التي التف فيها مرشده الروحي ومؤسس الليكود مناحيم بيغن , بسبب تجربته المريرة في لبنان , وإن قال يائير لابيد " قد نراه تلك الجثة الأخيرة في العراء" .
في المأثورة الصينية "انتظر جثة عدوك على ضفة التهر" . لقد هوى قبل أن يصل إلى ضفة الليطاني ...