علي دربج - خاص الأفضل نيوز
لم يكن التهاوي السريع للنظام السوري السابق، وفرار الرئيس السابق بشار الأسد بالخفاء، المفاجأة الوحيدة لحلفاء وخصوم دمشق. بل في الواقع، ثمة صدمة ثانية لا تقل أهمية، تتمثل بالدور الأوكراني الداعم لـ"جبهة تحرير الشام"، (وإن كان بسيطًا)، بالرغم من وجود أهم وأكبر القواعد الروسية الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
وبغض النظر عن الاستراتيجية الروسية القائمة على البيع والشراء والمتاجرة بحلفائها ومناطق نفوذها، فإن ما هو عصيّ على الاستيعاب، وقوف موسكو "كشاهد ما شافش حاجة" إزاء التغلغل الاستخباراتي الأوكراني، وعدم تحريكها أي ساكن إزاء تدخل كييف الجريء، وتحركها بسهولة داخل سوريا للنيل من المصالح الروسية، والتي كان من المفترض أن تكون حصنًا منيعًا محرَّمًا على أي بلد أو قوة أخرى، كونها منطقة نفوذ روسية تاريخية.
لكن مهلا، إذا عدنا بالزمن إلى الوراء، ودققنا في تاريخ السياسات الروسية في غير منطقة من العالم، نجد أنه حافل بالإخفاقات والخيبات المتتالية، بدءًا بأفغانستان وسقوط الاتحاد السوفياتي في القرن الماضي، ثم خسارتها ليبيا وأوكرانيا، التي وجهت كشفت ضعف الجيش الروسي وفشله الاستخباراتي والعسكري، وافتقار قادته للرؤية الاستراتيجية، إضافة إلى عجزهم الواضح عن مجاراة التقنيات التسليحية الأمريكية بالدرجة الأولى.
ما هو حجم الدعم الأوكراني لـ"هيئة تحرير الشام"؟
عمليًا، على مدى الأشهر الماضية، تلقت قيادات الهيئة العسكرية (طبعًا بمعرفة وتسهيل استخباراتي أطلسي - تركي) طائرات مسيّرة ودعمًا آخر من عملاء استخبارات أوكرانيين، بهدف القضاء على الوجود الروسي وحلفائه السوريين، وفقًا لمصادر أمريكية مطلعة على الأنشطة العسكرية الأوكرانية في الخارج.
وتبعًا لذلك، أرسلت الاستخبارات الأوكرانية منذ حوالي أربعة إلى خمسة أسابيع (بحسب المصادر الأمريكية) حوالي 20 مشغلًا متمرّسًا للطائرات المسيّرة، وما يقرب من 150 طائرة مسيّرة إلى "الهيئة" في إدلب.
ومع أن مسؤولي الاستخبارات الغربية يشيرون إلى أن المساعدة القادمة من كييف لعبت دورًا متواضعًا في الإطاحة بالأسد، إلا أن هذا الدعم الملحوظ يُعدّ جزءًا من جهود أوسع لأوكرانيا، لضرب المصالح الروسية سرًا في الشرق الأوسط وإفريقيا وداخل روسيا نفسها.
ما يثبت فرضية التواطؤ وبيع روسيا لنظام الأسد، هو أن برنامج المساعدة لأوكرانيا في سوريا كان سرًا مكشوفًا للكرملين والعالم، خصوصا وان كييف لطالما سعت ومازالت تسعى، إلى فتح جبهات أخرى يمكنها من خلالها إلحاق الأذى بروسيا وإضعاف حلفائها.
النشاط الأوكراني في سوريا وموقف الكرملين الملتبس
طرح ادعاء موسكو بمعرفتها المسبقة بالتعاون الأوكراني العسكري مع "هيئة تحرير الشام" ضد المصالح الروسية، علامات استفهام كبيرة حول تقاعس الاخيرة، عن اتخاذ أي خطوات ردعية في سوريا، بمواجهة مخططات كييف، مع أن المسؤولين الروس يشكون منذ عدة أشهر من النشاطات شبه العسكرية الأوكرانية في سوريا.
من هنا، الممثل الخاص لروسيا في سوريا ألكسندر لافرينتييف ، قال في مقابلة أجرتها معه وكالة "تاس" في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت: "لدينا بالفعل معلومات تفيد بأن متخصصين أوكرانيين من مديرية المخابرات الرئيسية في أوكرانيا موجودون في أراضي إدلب".
وفي السياق ذاته، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد اتهم في سبتمبر/أيلول الماضي "مبعوثي المخابرات الأوكرانية" بالقيام بنشاطات إرهابية في إدلب، وادعى أنهم كانوا يقومون "بعمليات قذرة"، وفقًا لصحيفة "الوطن" السورية، التي أكدت أن الفريق كيريلو بودانوف، رئيس GUR، كان على اتصال شخصيًا مع "هيئة تحرير الشام."
كما اوضح المسؤولون بموسكو، أن ارتباط أوكرانيا بالجماعة "المتمردة" كان محاولة لتجنيد مقاتلين سوريين لحربها ضد الكرملين. لهذا، قال تقرير نُشر في سبتمبر/أيلول على موقع إلكتروني يُسمى "المهد"، إن أوكرانيا عرضت 75 طائرة بدون طيار في صفقة "طائرات بدون طيار مقابل مقاتلين" مع هيئة تحرير الشام.
اعتراف أوكراني بدعم "الهيئة" في سوريا
في الحقيقة، جاهر الأوكرانيون بنواياهم علنًا بسوريا ودول اخرى. ففي نيسان/أبريل 2023، صرّح كيريلو بودانوف، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، بأن أوكرانيا ستلاحق الروس المسؤولين عن جرائم الحرب "في أي جزء من العالم"، وفقًا لتقرير إخباري.
واعترف بودانوف في مقابلة مع صحفي أمريكي في الشهر ذاته، بمسؤولية جهازه عن العمليات ضد ميليشيا فاغنر في إفريقيا، مشيرًا إلى أنها "تهدف إلى تقليل القدرات العسكرية الروسية في أي مكان يتاح لنا ذلك".
علاوة على ذلك، نقلت صحيفة "كييف بوست" في 3 حزيران/يونيو الماضي، عن مصدر في جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكرانية (GUR)، قوله إن "منذ بداية العام، وجه الثوار السوريون، بدعم من عملاء أوكرانيين، ضربات متعددة لمنشآت عسكرية روسية في المنطقة".
وتضمن التقرير المنشور على الإنترنت رابطًا لمقطع فيديو يُظهر هجمات على ملجأ خرساني محصّن، وسيارة فان بيضاء، وأهداف أخرى قيل إنها تعرضت لضربات من عناصر "هيئة تحرير الشام" المدعومين من أوكرانيا داخل سوريا.
وأوضحت الصحيفة أن العملية في سوريا نفذتها وحدة خاصة تُعرف باسم "خيميك"، وهي تابعة لجهاز الاستخبارات الأوكراني بالتعاون مع المعارضة السورية.
الجدير بالذكر أن سوريا ليست الساحة الوحيدة التي قامت فيها الاستخبارات العسكرية الأوكرانية بعمليات خارجية لقتل العملاء الروس. ففي أغسطس/آب الماضي، أفادت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن أوكرانيا ساعدت المتمردين في شمال مالي على تنفيذ كمين ضد مرتزقة روس من مجموعة فاغنر. وأسفر الهجوم، الذي وقع في 27 تموز/يوليو، عن مقتل 84 من عناصر فاغنر و47 ماليًا، بحسب التقرير.
في المحصّلة:
لا يمكن لعاقل، أو حتى لمراهق سياسي، أن يصدّق أن الإطاحة بأهم حليف لروسيا في الشرق الأوسط قد تم بمعزل عن موافقة الرئيس فلاديمير بوتين الذي باع سوريا لنظيره التركي رجب طيب أردوغان.
أما الثمن الذي قبضه، فقادم الأيام كفيلة بأن تُخبرنا حجمه.