طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
خالف رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية كل التوقعات التي راجت في الآونة الأخيرة عن توجهه إلى الانسحاب من السباق الرئاسي، فأكد استمراره في هذا الترشيح حتى موعد جلسة الانتخاب المقررة في 9 كانون الثاني المقبل، وذلك على رغم اعترافه بأن فرصته للوصول إلى الرئاسة "صارت أقل بعدما كانت عالية".
وفي قراءة لهذا الموقف، تقول أوساط معنية بالاستحقاق الرئاسي لـ"الأفضل نيوز" أنه يعبر عن أن فرنجية ما كان ليعلنه لو لم تكن لديه معطيات داخلية وخارجية متينة تشجعه على الاستمرار في الترشيح، خصوصا وأنه اعتبر أن جميع الأسماء المرشحة المتداولة ليست من الأوزان والأحجام التي يجتاج إليها لبنان بمسيحييه ومسلميه في هذه المرحلة الصعبة والخطيرة التي يمر بها، فهو نادى بأن يكون رئيس الجمهورية الجديد "رفيق حريري مسيحي" بالمعنى السياسي والمعنوي وليس بالمعنى المادي ، وأن لا يكون "رئيس على قد الموقع وليس على قد الكرسي" لأن "مستقبل البلد بالدق"..
لماذا تمسك فرنجية بترشيحه؟
المتابعون للاستحقاق الرئاسي يفندون الأسباب بالآتي:
ـ أولا، إن فرنجية يشعر أن رئيس حزب "القوات اللبنانية" ينوي ترشيح نفسه للرئاسة ويراهن على المتغير السوري بسقوط النظام وقبله المتغير الأميركي بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وقبلهما اعتقاده بأن محور المقاومة "انهزم وبات آيلا للسقوط" وأن كل هذه المعطيات ستصب في مصلحته كونه بات متربعا على عرش أكبر كتلة نيابية مسيحية بعد تفسخ كتلة "التيار الوطني الحر" التي كانت توازي كتلته من حيث العدد تقريبا قبل انسحاب خمسة نواب منها، وهذا ما دفع فرنجية إلى الاستمرار في الترشيح وتوجيه الدعوة لجعجع للنزول إلى جلسة الانتخاب في 9 كانون الثاني لتكون منازلة ديموقراطية بينهما، في ظل اعتقاد البعض أن هذه المنازلة إذا حصلت تنتهي حتما لمصلحة فرنجية لكثير من الاعتبارات الحالية والسابقة. حتى أن البعض يقول إن "التيار الوطني الحر" الذي لا يؤيد فرنجية إذا خُيِّر بينه وبين جعجع، فإنه يختار فرنجية، وإن لم ينتخبه فإنه يحضر الجلسة بما يؤمن نصابها.
كما أن الأمر نفسه ينطبق على كتلة جنبلاط وكتلة الاعتدال وغيرها من الكتل التي لم تخف تأييدها لفلانجية رغم تعرضها لبعض المؤثرات الخارجية، خصوصا إذا لم تؤول الأمور لمصلحة قائد الجيش الذي ينبغي أن يتوافر له التعديل الدستوري المطلوب ليتاح انتخابه إن حصل توافق عليه.
ـ ثانيا، إن فرنجية متمسك بترشيحه بالاستناد إلى معطيات خارجية تشجعه على ذلك، ويدل إليها أن الجهات الخارجية المتعاطية بشؤون الاستحقاق الرئاسي تؤكد، أقله إعلامياً، أنها لن تدخل في أسماء المرشحين ولن تعلن دعمها لأي منهم وأن هذا شأن داخلي على الللبنانيين أن يتوافقوا عليه، وإن كان بعضها يتعاطف مع هذا الاسم أو ذاك، علما أن اتصالات فرنجية لم تنقطع مع الخارج منذ أن ورد اسمه في المبادرة الفرنسية الشهيرة في بداية الاستحقاق.
ـ ثالثاً، إن فرنجية يرى أن بقية الأسماء المطروحة للرئاسة غيره لا ينطبق على المعيار الذي حدده من "رفيق حريري مسيحي" إلى رئيس "يملأ الموقع الرئاسي ولا يملأ الكرسي"، وإن كان يميز قائد الجيش عن بقية الأسماء فإنه في المقابل يراعي موقف حلفائه من ثنائي شيعي وغيره، بحيث إنه سيسير في الخيار الذي سيؤيدون حتى ولو كان قائد الجيش.
ـ رابعاً، إن تمسك فرنجية بترشيحه أيضا يستند إلى أن جلسة 9 كانون الثاني لن تكون ناجزة وهو يلمس أن المعارضة ستحاول إفشال هذه الجلسة قبيل انعقادها إو عند الانعقاد، لأنها أولا لم تتفق بعد على مرشح محدد وثانيا لأنها لن تستطيع إيصال مرشح من كنفها لأنها اصطدمت بواقع أن خصومها لم تضعفهم الحرب الإسرائيلية عليهم كما لم يضعفهم سقوط النظام السوري وما زالوا رقما صعبا في المعادلة الداخلية وحتى على المستوى الإقليمي، وأكثر من ذلك اكتشفوا أن الغرب وتحديدا الولايات المتحدة وفرنسا ومعهما المملكة العربية السعودية وغيرها يؤكدون أنه لا يمكن الإتيان برئيس جديد للبنان لا يرضى عنه الثنائي الشيعي وحلفاؤه، وأنه لا يمكن إقصاء هؤلاء عن المعادلة السياسية اللبنانية.
ـ خامسا، يدرك فرنجية ما يختلج في صدور الطبقة السياسية المسيحية وحتى الطبقات الشعبية أن الاستمرار في الإتيان بالعسكر إلى رئاسة الجمهورية لم يعد أمرا محبذا، لأنه يظهر المسيحيين والطائفة المارونية خصوصا أنها تعاني من ضحالة في الشخصيات ورجال الدولة السياسيين الذين يستحقون تولي الموقع الأول في هرم السلطة اللبنانية، ويشطب تاريخ هذه الطائفة في استيلاد هذا النوع من الرجال. ولذلك تمسك فرنجية بترشيحه لأنه ابن بيت سياسي عريق عمره يمتد منذ ما قبل الاستقلال أي منذ أيام النائب قبلان فرنجية والد جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية، الذي أعطى صوته للشيخ محمد الجسر ومكنه من الفوز على إميل إدة في انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت أيام الانتداب الفرنسي عام 1926 قبل أن يعلق الفرنسيون الدستور يومها لأنهم لم يستسيغوا أن يكون للبنان رئيس جمهورية مسلم في الوقت الذي كان رئيس سوريا المنتدبة آنذاك الشيخ جمال الدين، اذ راعهم أن يحكم سوريا ولبنان يومذاك رئيسان مسلمان.
ـ سادساً، عكس تمسك فرنجية بترشيحه أن حلفاءه لم يهنوا ولم يضعفوا رغم خسارتهم قائدا كبيرا بحجم الشهيد السيد حسن نصرالله، وأنهم ما زالوا قادرين على خوض المواجهة السياسية وعلى الحضور بقوة في نطاق الدولة وعلى المستوىين السياسي والشعبي وأن لا مناص لخصومهم إلا الركون لمنطق التوافق الذي لا يحكم البلد من دونه، وهذا التوافق ارسته "وثيقة الوفاق الوطني" المعروفة بـ"اتفاق الطائف" الذي يعلن الجميع تمسكهم به ويشددون على استكمال تطبيقه وهو ما يريده العرب والغرب ويتمسكون به ايضا.
ولذلك يقول المتابعون إنه ما تزال لفرنجية فرصة للوصول إلى رئاسة الجمهورية، على رغم من كل التطورات والمتغيرات التي حصلت وتحصل في لبنان والمنطقة، وأن جلسة 9 كانون الثاني إن لم تثمر فإنها ستضع الأسس لجلسة لاحقة تكون ناجزة.
وغالب الظن أن الفراغ الرئاسي قد يتمدد قليلا اللهم اذا حصلت معركة انتخابية ديموقراطية بين فرنجية وجعجع، واستبعد خيار قائد الجيش الذي لا يكفيه مجرد إعلان جنبلاط تأييده له "لأن الإدارتين الأميركيتين القديمة والجديدة تؤيدانه" كما قال. في حين إن ما تشيعه الديبلوماسية الأميركية هو أن واشنطن ستتعامل مع أي رئيس ينتخبه اللبنانيون.