حمل التطبيق

      اخر الاخبار  ترامب: طائراتنا أصابت أهدافها في ‎إيران والمنشآت النووية محيت بالكامل   /   ترامب: سيكون من المفيد أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة   /   ‏ترامب: سنخفض الضرائب وسنعزز أمن الحدود   /   ‏ترامب: سنوقع اتفاقا مع الهند قريبا   /   ‏ترامب: نعمل على جعل أميركا عظيمة مجددا   /   ‏ترامب: وقعنا اتفاقا مع الصين   /   قوات العدو تطلق الرصاص بإتجاه "تلة هرمون" والمدفعية المعادية تستهدف التلة بقذيفة هاون   /   ‏دولة الإمارات تعرب عن إدانتها لاعتداءات مستوطنين إسرائيليين على مدن وقرى في الضفة الغربية   /   ‏وزير الدفاع الإسرائيلي: طلبنا نحن وأميركا من إيران تسليم اليورانيوم المُخصب   /   ‏عراقجي: حالياً لا نقبل زيارة غروسي لطهران   /   ‏عراقجي: تفعيل آلية الزناد من قبل أوروبا سيكون أكبر خطأ استراتيجي   /   ‏عراقجي: ندرس المطالبة بالتعويضات جراء الهجمات على منشآتنا النووية   /   مسيرة إسرائيلية معادية ألقت قنبلة على حي "الشواط" في بلدة عيتا الشعب   /   هيئة البث الإسرائيلية: اعتقال شخص بتهمة التجسس لصالح إيران   /   ‏سي.إن.إن عن مصادر مطلعة: محادثات أميركية إيرانية جرت خلف الكواليس حتى في خضم الضربات العسكرية   /   عراقجي: إيران ليست لبنان وإذا ما تمّ خرق وقف النار سيكون ردنا حاسما   /   سي.إن.إن عن مصادر مطلعة: إدارة ترامب عرضت على طهران تخفيف العقوبات والإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية مقابل العودة للمفاوضات   /   الشيخ قاسم: خيارنا أن نعمل لتحرير الأرض ولا يمكن أن نخضع للإملاءات أو نستسلم للاحتلال   /   الشيخ قاسم: إيران ألحقت وحدها أضراراً بالكيان الذي أثبت مجدداً أنه عاجز عن أن يستمر يوماً واحداً من دون الدعم الأميركي   /   ‏الإليزيه: ترامب اتصل بماكرون وناقشا الوضع في الشرق الأوسط وأوكرانيا   /   الشيخ قاسم: الجمهورية الإسلامية أثبتت أنها قادرة وحدها على مواجهة الطاغوت الأميركي و"إسرائيل" المجرمة ومعهما الدعم الأوروبي   /   ‏عراقجي: لا تفاهم حاليا بشأن محادثات جديدة مع واشنطن   /   الديوان الأميري: الرئيس التركي أشاد بالجهود التي بذلها أمير دولة ‎قطر في تيسير التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين ‎إيران وإسرائيل   /   الشيخ قاسم: ايران لديها قائد شجاع حكيم ملهم يقتحم المصاعب ويقف في الميدان وواثق بالنصر   /   الديوان الأميري: أمير دولة ‎قطر تلقى اتصالا من الرئيس التركي أكد خلاله تضامن بلاده مع دولة قطر وإدانتها الشديدة للهجوم الإيراني على قاعدة العديد   /   

حرية التعبير في لبنان: دراسة قانونية تحليلية مقارنة

تلقى أبرز الأخبار عبر :


كتبت ميرنا طه:

 

حرية التعبير تمثل حقاً إنسانياً أساسياً مكفولاً في مختلف التشريعات الدولية والوطنية، حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) في مادته التاسعة عشرة على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير". كما أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) في المادة 19 حرية التعبير مع السماح بفرض قيود ضرورية ومحددة لحماية الأمن العام أو منع التحريض على الكراهية والعنف.

 

في لبنان، حرص الدستور على إقرار هذا الحق من خلال المادة 13، التي تنص على حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة والطباعة، ولكن في إطار حدود القانون. ورغم هذه الضمانات، يتجلى في الممارسة العملية التحدي الكبير الذي يواجهه الأفراد والمؤسسات الإعلامية عندما تُستخدم القوانين بشكل مفرط أو تعسفي لتقييد هذه الحرية. وهنا يبرز التساؤل الجوهري: هل يُطبّق الحق في التعبير كمبدأ ديمقراطي أم أنه يُقيّد بحجة الحفاظ على النظام العام وحماية القيم المجتمعية؟

 

الفرق بين حرية التعبير والتحريض

 

حرية التعبير حق مكفول، لكن استخدامه بشكل يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع أو الأفراد يُعتبر تجاوزًا غير مقبول. 

التحريض في القانون اللبناني والدولي:

 

تنص المادة 317 من قانون العقوبات اللبناني على معاقبة الأعمال التي تحرض على الفتنة الطائفية أو تدعو إلى العنف.

دولياً، تُعتبر اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 مرجعاً في تعريف التحريض على العنف، حيث تجرّم التحريض المباشر والعلني على الإبادة.

إذا ما ثبت أن محتوى التعبير تجاوز الحد إلى مرحلة التحريض او الدعوة للعنف، فإنه يصبح الفعل تحت طائلة المساءلة القانونية، مما يضع الشخص أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه المجتمع و لا تعتبر افهعاله من قبيل التعبير الحر بل التحريض المباشر و المقصود.

 

في عام 2005، واجه الكاتب الفرنسي رينو كامو اتهامات بالتحريض على الكراهية بسبب تصريحات أثارت جدلاً واسعاً حول قضية الهجرة. اعتُبر ذلك مثالاً على ضرورة وضع قيود على التعبير لمنع التمييز والتحريض، وهو ما يشبه التحديات التي تواجهها القوانين اللبنانية.

 

قوانين حرية التعبير في لبنان: بين الحماية والتقييد

 

يحظى الحق في التعبير بحماية دستورية وقانونية في لبنان، لكن تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بالتشهير والقدح و الذم يُستخدم في بعض الأحيان لتقييد حرية الإعلام. ومن أبرز المواد التي تنظم هذا الحق:

 

1. المادة 384 من قانون العقوبات: تفرض عقوبات تصل إلى السجن لمدة عامين على من يسيء إلى الرموز الوطنية أو الرئيس.

 

2. المادة 385: تعاقب القدح الذي يمس كرامة الأشخاص وشرفهم.

 

3. المادة 386: تجرّم التشهير بالأفراد وتنص على عقوبات مالية وجزائية.

 

رغم أن هذه المواد تهدف إلى حماية الكرامة والسمعة، إلا أن غياب التعريف الدقيق لحدود النقد المشروع يؤدي إلى استخدامها بشكل تعسفي. في قضية شارلي إيبدو عام 2015، واجهت الصحيفة انتقادات شديدة بسبب رسومها الساخرة، لكنها دافعت عن نفسها استناداً إلى قانون الصحافة لعام 1881 الذي يميّز بين النقد والتشهير. هذا القانون يتيح للصحافة الفرنسية مساحة واسعة للتعبير دون الخوف من الملاحقة، وهو ما يفتقر إليه الإطار القانوني اللبناني.

 

قانونية التوقيف في قضايا التشهير

 

يُعد التوقيف في قضايا التشهير والقدح والذم موضوعاً مثيراً للجدل في النظام القانوني اللبناني. يسمح قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني بتوقيف المتهمين في هذه القضايا إذا توافرت أدلة كافية على ارتكاب الجريمة. إلا أن هذا الإجراء غالباً ما يُنتقد باعتباره أداة تُستخدم لتخويف الصحفيين والناشطين، بدلاً من كونه وسيلة لضمان تحقيق العدالة. يرى الكثيرون أن هذا النهج يتعارض مع المبادئ الأساسية لحرية التعبير المكفولة في الدستور اللبناني بموجب المادة 13.

 

على الصعيد الدولي، يُعتبر التوقيف في قضايا حرية الرأي والتعبير استثناءً نادراً وليس قاعدة، حيث تتميز العديد من الدول، مثل فرنسا وتونس، بإجراءات قانونية توازن بين حماية حرية التعبير ومساءلة الأفراد عن إساءة استخدامها.

 

١. التجربة الفرنسية: حماية التعبير وضبط التجاوزات

 

في فرنسا، تمنع المادة 53 من قانون الصحافة الفرنسي (1881) التوقيف الاحتياطي في قضايا التشهير والقدح، باستثناء الحالات التي تتعلق بخطاب الكراهية أو التحريض على العنف. هذا النهج يهدف إلى حماية الصحفيين والنشطاء من التعرض للعقوبات الجزائية قبل إثبات التهم، مع الحفاظ على إطار قانوني يحمي المجتمع من التجاوزات الخطيرة.

 

على سبيل المثال، أثارت قضية Joslyn Leroy (1997) جدلاً واسعاً حينما تم توقيف الصحفي الفرنسي مؤقتاً بسبب مقالات انتقدت مجموعة سياسية، ما أدى إلى دعوات لإجراء إصلاحات تشريعية تمنع التوقيف التعسفي في مثل هذه الحالات.

 

في حالة أخرى أكثر إثارة للجدل، واجه الكوميدي الفرنسي ديودوني مبالا مبالا التوقيف المؤقت بسبب تصريحات اعتُبرت معادية للسامية وتحريضية. أثارت هذه القضية نقاشاً عميقاً في فرنسا حول التوازن بين حماية حرية التعبير ومنع خطاب الكراهية. يُظهر هذا التوجه كيف تسعى فرنسا إلى ضبط استثناءات محدودة جداً للتوقيف في قضايا الرأي.

 

٢. التجربة العربية: تعزيز حرية التعبير وتقنين العقوبات

 

في الدول العربية، مثل تونس والأردن، تم تبني قوانين متقدمة تهدف إلى تعزيز حرية التعبير وتقليل استخدام التوقيف في قضايا التشهير:

 

تونس: ينص الدستور التونسي لعام 2014 على منع التوقيف في قضايا الرأي، مما يعزز حقوق الصحفيين والنشطاء. بدلاً من العقوبات السالبة للحرية، يتم اللجوء إلى الغرامات أو المحاكم المدنية.

الأردن: يُلزم قانون المطبوعات والنشر (1998، المعدل 2012) بإنهاء التوقيف الاحتياطي في قضايا الصحافة، مع تحويل هذه القضايا إلى المحاكم المدنية لضمان محاكمة عادلة بعيداً عن الضغوط الأمنية.

على المستوى الدولي، يُنظر إلى التوقيف في قضايا حرية التعبير كإجراء استثنائي لا يتم اللجوء إليه إلا في الحالات التي تُشكّل تهديداً مباشراً على السلامة العامة أو التي تتعلق بخطاب الكراهية والعنف.

 

تُبرز هذه التجارب المقارنة حاجة لبنان إلى مراجعة قوانينه المتعلقة بالتوقيف في قضايا التشهير والقدح والذم. فبينما يهدف القانون اللبناني إلى حماية الأفراد من الاعتداء على سمعتهم، فإن استخدام التوقيف كأداة لمواجهة الانتقادات الإعلامية أو السياسية قد يؤدي إلى تقييد حرية التعبير بشكل غير مبرر.

 

يتطلب الإصلاح القانوني في لبنان اعتماد سياسات مشابهة للتجارب الفرنسية والعربية، التي تؤكد على عدم اللجوء إلى التوقيف إلا في الحالات القصوى، مع توجيه أغلب القضايا إلى المحاكم المدنية أو فرض عقوبات بديلة.

 

 التعديلات المقترحة لحماية حرية الصحافة

 

في سبيل تعزيز حماية حرية التعبير في لبنان وضمان توافق التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، يُقترح إدخال تعديلات شاملة على القوانين اللبنانية. تستند هذه المقترحات إلى مقارنات مع تجارب دولية وعربية، تُظهر كيفية معالجة هذه القضايا بفعالية، مع التركيز على حماية الحق في التعبير المشروع وضمان مساءلة عادلة عند تجاوزه.

 

1. تعديل المادة 384 من قانون العقوبات: استثناء النقد المشروع من التجريم

 

تُعاقب المادة 384 حاليًا على المساس بسمعة الرموز الوطنية أو الرئيس، دون استثناء النقد المشروع. يُقترح إعادة صياغة المادة بحيث تستثني الانتقادات المشروعة التي تستند إلى حق الأفراد في التعبير، مع وضع معايير واضحة لتعريف الإساءة والتحريض.

 

التجربة الفرنسية: في فرنسا، يُعتبر النقد المشروع لرموز الدولة جزءًا من حرية التعبير، ما لم يتضمن خطاب كراهية أو دعوة للعنف، وفقًا للمادة 53 من قانون الصحافة الفرنسي (1881).

التجربة الإماراتية: نص قانون مكافحة التمييز والكراهية (2015) على تعريف دقيق للإساءة والتحريض، مما يضمن عدم تقييد التعبير المشروع.

2. إدخال شرط إثبات النية الجنائية في المادتين 385 و386

 

تفتقر المادتان 385 و386، اللتان تُجرّمان القدح والتشهير، إلى شرط إثبات القصد الجنائي. يُقترح تعديل النصوص لتشترط وجود نية مسبقة للإساءة أو الإضرار بالسمعة لإثبات المسؤولية الجنائية.

 

التجربة الفرنسية: تنص المادة 29 من قانون الصحافة الفرنسي على ضرورة إثبات النية المسبقة في قضايا التشهير.

التجربة الأردنية: يتطلب قانون الجرائم الإلكترونية المعدل لعام 2018 إثبات نية الإساءة في حالات التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

3. توسيع قانون المطبوعات ليشمل الإعلام الرقمي

 

يُعد قانون المطبوعات اللبناني لعام 1962 قديمًا ولا يغطي الإعلام الرقمي. يُقترح توسيع نطاق القانون ليشمل وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، لضمان معاملة جميع وسائل الإعلام بمعايير موحدة.

 

التجربة الفرنسية: يشمل قانون مكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت (2019) الإعلام الرقمي، مع فرض غرامات تصل إلى 1.25 مليون يورو على المنصات التي تتأخر في إزالة المحتوى غير القانوني.

التجربة التونسية: ألغى الدستور التونسي لعام 2014 عقوبات السجن في قضايا الصحافة ووسع نطاق الحماية القانونية ليشمل الإعلام الرقمي.

4. إلغاء عقوبة السجن في قضايا التشهير واستبدالها بعقوبات بديلة

 

تفرض القوانين اللبنانية الحالية عقوبات بالسجن في قضايا التشهير، ما يؤدي إلى تقييد غير مبرر لحرية التعبير. يُقترح استبدال هذه العقوبات بغرامات مالية متناسبة أو إجراءات تأديبية تناسب طبيعة الجرم.

 

التجربة الفرنسية: يُستبدل السجن بغرامات في قضايا التشهير، باستثناء الحالات التي تتعلق بخطاب الكراهية أو التحريض على العنف، كما هو موضح في المادة 34 من قانون الصحافة الفرنسي.

التجربة الأردنية: ألغت التعديلات على قانون المطبوعات والنشر الأردني لعام 2012 عقوبات السجن واستبدلتها بغرامات مالية.

5. توسيع اختصاص محكمة المطبوعات لتشمل الإعلام الرقمي

 

يُقترح منح محكمة المطبوعات اختصاص النظر في القضايا المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي والمنشورات الرقمية، بشرط أن تكون صادرة عن صحفيين أو مؤسسات إعلامية معتمدة، مع تعزيز ضمانات استقلالية القضاء.

 

التجربة الفرنسية: تُخضع قضايا الإعلام الرقمي لاختصاص المحاكم المدنية المختصة في قضايا الصحافة.

التجربة الإماراتية: يتضمن قانون الجرائم الإلكترونية الإماراتي لعام 2012 تعديلات تنظم المحتوى الرقمي وتمنع التحريض والكراهية عبر الإنترنت.

 

 

الاستنتاج والخلاصة

 

حرية التعبير في لبنان تواجه تحديات قانونية وسياسية تعرقل ممارستها بشكل كامل. ورغم أن القوانين تهدف إلى حماية الأفراد من الإساءة، إلا أن استخدامها بشكل غير مدروس يهدد الحريات العامة ويضعف ثقة المجتمع في النظام القضائي.

 

الإصلاحات القانونية المستندة إلى التجارب الدولية والعربية الناجحة تُعد ضرورة ملحة. فحرية التعبير ليست مجرد حق فردي، بل شرط أساسي لبناء مجتمع ديمقراطي يعكس تطلعات مواطنيه. يجب أن تكون الصحافة اللبنانية أداة لنقل الحقيقة وحماية القيم الديمقراطية، لا أن تُستخدم كذريعة لقمع الآراء المعارضة.