د.رائد المصري - خاص الأفضل نيوز
تهتم واشنطن كثيراً بمنصب حاكم مصرف لبنان، بحيث صار مؤكداً ما نشرته وكالة رويترز، عبر إجراء العديد من المقابلات مع مرشحين لهذا المنصب، فيما تعتبره الإدارة الأميركية أن هذا المنصب لا يقل أهمية عن الرئاسة في لبنان، بل يمكن أن يفوقها أهمية، خاصة بعد أن أصبح لبنان تحت رعاية الوصاية الدولية الخماسية والسداسية، لكن كلها تخضع للامتياز الأميركي، إذ تطلب واشنطن أن يتحلَّى الحاكم بصلابة مكافحة الإرهاب، ومنع وصول الأموال إلى الحزب، حيث أن السياسة النقدية في لبنان صارت جزءاً لا يتجزأ من القرار الدولي 1701 لكن بآليات مالية، على غرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
يراوح اسم الحاكم الجديد لمصرف لبنان، بين باريس وواشنطن في وضع المواصفات وانطباقها على شخص الحاكم، كشرط ضروري لتعيينه، ولبدء إيصال الدعم المالي وتطبيق شروط صندوق النقد، وعليه فإن منصب الحاكم في هذه المرحلة، مرتبط مباشرة برسم سياسات مالية، ترفع السرّية المصرفية وتكشف الحسابات، لتكون مراقَبة من أجل مكافحة طرق التمويل وتبييض الأموال، وتأتي زيارة رئيس الجمهورية جوزيف عون إلى فرنسا في هذا السياق، وسيصل قبلها إلى بيروت الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وهذا يُظهر وضع فرنسا يدها على مِلف تعيين الحاكم، ففي الكواليس، تدعم باريس سمير عسّاف كمؤيد للإصلاحات، وبحسب معلومات حصلت عليها "الأفضل نيوز"، فإن عسّاف مقرّب من الإدارة الأميركية الجديدة، ويمكن أن يحظى بدعم دولي لمهمّته، إذا قبل بها، لكنه غير مقتنع بالدخول في المعترك اللبناني.
هذا وتكشف مصادر دبلوماسية، على أن تعيين حاكم لمصرف لبنان، سيعكس المسار الذي ستسلكه السلطة السياسية الجديدة في لبنان، وبناء عليه سيكون تفاعل المجتمع الدولي والتفافه حول لبنان على مستوى الدعم والتمويل والاستثمار، حيث أنه في باريس سيناقش الرئيس ماكرون مع الرئيس عون مؤتمر الدعم الأوروبي لإعادة الإعمار، وواشنطن تشترط لدعمها لبنان سياسةً ماليّةً واضحة، وتعيين حاكم ينفّذها، فالعين الدولية مفتوحة على هويّة الحاكم الجديد ليُبنى على الشيء مقتضاه.
كما تشير المعلومات إلى أن هناك جهدًا كبيرًا يُبذل، للاتّفاق على اسم لتعيينه حاكماً، ولكن قد لا تنضج التسوية الموضوعة على نار حامية، والتي يخاف عليها المعنيون أن تحترق لأنّ امتحان حاكمية مصرف لبنان بات يشبه امتحان الرئاسة، فيما يعيش لبنان على وقع الخروقات الأمنية اليومية، التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضده في الجو وفي البر، فيحصد المزيد من الشهداء، معلناً عن رغبته عبر وزير الحرب يسرائيل كاتس بالبقاء في المواقع الخمسة المحتلة، وهو ما لقي استحساناً من قبل نائبة المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، بالحديث عن ضرورة البدء بتأليف لجان عمل دبلوماسية، للعمل على حل معضلة النقاط الخمس عن طريق الحوار السياسي، وهو ما يعني أن الاتجاه الذي تدفع إليه واشنطن/ هو ترويض تدريجي لتطبيع تسعى إليه تل أبيب بدعم أميركي مباشر.
لبنان سيعتمد حالياً على الضغط السلبي في اتباع الأسلوب الدبلوماسي وتكثيف الاتصالات الدولية، مع الدول الراعية لهذا الاتفاق والمجتمع الدولي، من أجل انسحاب الاحتلال من هذه النقاط، أما بالنسبة إلى المقاومة، فقد أعلن أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم أكثر من مرة، أنها ستطلب من الحكومة والدولة اللبنانية تحمُّل مسؤولياتها لهذه الناحية، وتحتفظ بحقها في استعمال السبل التي تمتلكها لتحرير هذه الأرض دون تحديد توقيت، تاركًا للتقديرات والتحليلات مساحة لذلك.
الأخطر مما يتضح، أن ما يُحاك للبنان من بوابة الجنوب، قد يكون أكبر بكثير من التكهنات، مع جنوح الوضع الميداني نحو التفلُّت التدريجي وقد يصل إلى عودة الحرب والمواجهة، وهذه المرة قد يكتسب لبنان بثلاثيته الجيش والشعب والمقاومة شرعية الدفاع عن السيادة، التي تكفلها مواثيق الأمم الدولية، وربما تمهِّد تل أبيب لجولة جديدة من الحرب على لبنان وشعبه، استنادًا على ما تزعمه لحماية المستوطنين في شمال فلسطين، بحال كانت تجربتها في إعادة تسعير الحرب على غزة تحظى بالرعاية والضوء الأخضر الأميركي، والذي حصدت فيها أكثر من 500 شهيد في ليلة رمضانية واحدة، إضافة إلى وقوع البلد بين فكي كماشة، لناحية الحدود الشرقية مع سوريا، وهو ما يمكن أن يعطل أي حوار ويثير القلاقل والاضطرابات عبر الحدود، ربما تأخذ الطابع المذهبي الخطير، وهو ما عمل الجيش اللبناني على منعه ووأده سريعاً بانتشاره في نقاط التماس الحدودية، وفي البلدات التي شهدت مواجهات عسكرية.. فأيام صعبة تنتظر لبنان وحكومة العهد الأولى للبدء بانتشال البلد من حفرة الانهيارات ومخاطر الحروب الداهمة التي تطل برأسها كل يوم.