رائد المصري -خاصّ الأفضل نيوز
تحوَّل ملف تأليف الحكومة مع مساعي رئيس الحكومة المكلف القاضي نواف سلام، إلى أسلوب التقيد في عملية تشكيل الحكومات المختلفة تلك التي أراد فيها انطلاقة عمله، لم يتوقع أحد من اللبنانيين والخارج إلاَّ أن تبادر الكتل النيابية، سواء التي تمثل أحزاباً سياسية أو نواباً مستقلين، إلى محاولة قطف ثمار تسمية الدكتور نواف سلام رئيساً للحكومة، عبر طلب حقائب وزارية وازنة خدماتية لها إن لم تكن ما تسمّى سيادية، وكما قال الرئيس المكلف الذي بدا بالتفاهم مع رئيس الجمهورية جوزيف عون، أنهما يحاولان تغيير النمط التقليدي التحاصصي في تشكيل الحكومة الجديدة، لملاقاة التغيير الحاصل في المنطقة بروح جديدة، وتوجهات جديدة، تخدم مصالح البلاد المحتاجة إلى كل الدعم العربي والدولي المالي والعيني والخدماتي، ولكن الفشل حتى الآن هو سيد الموقف.
وبدا أيضاً من خلال مطالب الكتل النيابية، لا سيما تلك التي طالبت ولا تزال تطالب بالتغيير وبالإصلاح وضرب منظومة الحكم الفاسدة السابقة وغيرها من شعارات رنانة، فأثبتت أنها هي نفسها، تمارس نفس الدور التي تشكو من ممارسته القوى السياسية التي تُسميها تقليدية، لجهة البحث عن دور خدماتي عبر وزارة خدماتية.
فقد التزم الرئيس المكلَّف بالعمل المؤسساتي التام، ووفق الدستور، واضعاً معايير لا يحيد عنها، وإنشاء حكومة النهوض والإصلاح، رافضاً أن يكون زمن التأليف مفتوحاً إلى ما لا نهاية، ومن هنا قال بأنها لن تأخذ أِشهراً، لكنه بعد الكلام عن تأليف سريع، تراجع هذا الانطباع، ما أفسح في المجال أمام سيناريوهات متعددة، لا يزال العمل قائماً والرئيس المكلف يجري اتصالات، وفي كل مرة يغربل في جوجلاته، قبل بت الأسماء لإسقاطها على الحقائب، حتى أن التوزيع النهائي للوزارات يخضع لعملية دراسة.
على أنه وفق المعطيات المتوافرة، فإن الواقع الحالي ليس ميؤوساً منه، وفي الوقت نفسه يحتاج التأليف إلى جهد إضافي، ولا يمكن القول إن التعثُّر بدأ يرافق مهمة سلام، طالما أنه وبحسب المصادر تراعي هذه الحكومة التوزيع الطائفي، رغم أن الرئيس سلام لا يرغب في الحديث عن الحقائب السيادية أو غير السيادية، وهو يعمل لتحافظ على بقائها وفق ما كان عليه في الحكومة السابقة، حيث إن استعجال التأليف يعطي الاطمئنان لانطلاقة العهد، وبداية المرحلة الجديدة والنهج الإصلاحي، الذي يؤمل له أن يسير بسلاسة كاملة، لإفساح المجال أمام تعزيز الثقة بلبنان، فالرسالة السعودية التي حملها وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله آل سعود، حول دعم لبنان وتركيز المسؤول السعودي على الإصلاح الذي يقع على عاتق المؤسسات الدستورية في لبنان، هي عامل اطمئنان وفأل خير للبلد.
لكن ربما تشكل عقدة وزارة المالية، عقبة تُعيد ترتيب الأمور من جديد، وهي تتطلَّب التروِّي، وترى مصادر سياسية حصل عليها "الأفضل نيوز"، إعلان الكلام عن وعد قطعه الرئيس المكلف نواف سلام بمنح وزارة محددة لهذا الفريق أو ذاك عارٍ عن الصحة، فقد أضحت وزارة المالية مع الثنائي الشيعي، وهو ما اعترض عليه حزب القوات وفق هذه المصادر، التي تعلن أن الرئيس المكلف، يريد إخراج حكومة ميثاقية قوامها الشراكة الوطنية، والتمثيل السليم من دون حزبيين، وفي الوقت نفسه قادرة على العمل، وبمهمات محددة في عمرها الدستوري.
يتمسك الرئيس المكلف بثوابت الدستور وهذا أمر منطقي ومعروف عنه، كما ليس في مقدوره الخروج عنها، وفي الوقت نفسه، سيحاول تدوير الزوايا إنما على طريقته، توصلاً إلى ولادة حكومة تتماهى مع العهد الجديد، الذي عبَّر عنه وغير قيصرية، يمكن أن تقسم البلد، والذي عادت فيه القوى السياسية والأحزاب إلى الهروب من حكومة تكنوقراط بمهمة إنقاذ وطنية، لأنها ستقوم بإجراءات تقشفية وتخدم متطلبات البنك الدولي، بتضعيف دور الوظائف الحكومية، وإفراغها من الحشو الوظائفي، بفعل التدخلات السياسية النفعية، وكذلك حكومة تعمل على زيادة فرض الضرائب والتحصيل، لزيادة دفع اليوروبوند وتعديل الميزانية، وكلها إجراءات تضاف إلى قانون الهيركات المصرفي، وإعادة أموال المودعين والإصلاح القضائي، وهو بطبيعة الحال سيُبعد الناخبين عن القوى السياسية والأحزاب، حيث باتت الانتخابات البرلمانية على الأبواب، وهذا ما يثير الذعر والسخط لدى قادة الأحزاب والقوى السياسية، المتمترسة على حصصها ووزاراتها الدسمة من أجل التنفيعات الانتخابية.
ولا يمكن فصل ما يجري من عمليات تعثر أو مقايضة في التشكيلة الحكومية، عن ما يجري على الساحة الجنوبية، فبات الاهتمام كبيراً مع إصرار حكومة الكابينت الإسرائيلية على عدم الانسحاب الكامل والتام من القطاع الشرقي في جنوب لبنان، وبعض النقاط فيه التي يعتبرها نتنياهو استراتيجية، نظراً لارتباطها بالجولان السوري المحتل، وكذلك تمسُّك لبنان بالانسحاب الكامل وفقاً لاتفاقية وقف النار، كل ذلك لم يحجب الاهتمام أيضاً بمسار التأليف الحكومي، وسط استمرار الكتل الطامحة بشراهة إلى حقائب دسمة ووازنة، أو السعي إلى حصص لا تتآلف مع تحوُّلات ما بعد حرب غزة، وما لحق بلبنان، ثم انهيار النظام في سوريا، وسيطرة هيئة تحرير الشام على مقاليد الأمور في هذا البلد، حيث تؤكد المعلومات أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب يضغط على نتنياهو من أجل إنقاذ الاتفاق منع تجدد الحرب، فهناك تخوف وبحسب مصادر دبلوماسية، من العودة إلى حرب جديدة، إذا أصرت إسرائيل بضرب الاتفاق مع لبنان، وعدم الانسحاب نهائياً من الأراضي اللبنانية، بعد أن تم الكشف عن اقتراحٍ أميركيٍّ كان رفضه لبنان، يقضي بنشر قوات فرنسية وأميركية في ما يسمونه المنطقة العازلة جنوب لبنان، ليستعاض عنه بطلب الحكومة اللبنانية من واشنطن، التدخل لضمان تطبيق القرار 1701 وانسحاب إسرائيل، وقد عرض الوضع نفسه مع السفير الفرنسي هيرفي ماغرو.
وبعد قرار البيت الأبيض المعبر عن الحاجة العاجلة لتمديد وقف إطلاق النار في لبنان، على لسان المتحدث باسم الرئاسة الأميركية، أبدت وسائل إعلام إسرائيلية خشيتها من ضغط أميركي في المرحلة المقبلة على إسرائيل كي تنسحب، في حين حذَّر مراقبون من انزلاق عسكري نتيجة أخطاء في الحسابات العسكرية حيال استمرار الجيش الإسرائيلي في بعض المواقع، إذ بات واضحاً أن هدف حكومة بنيامين نتنياهو استدراج المقاومة لمواجهة عسكرية تحجب الأنظار عمّا تقوم به من توغّلات في الضفة الغربية على غرار ما فعلته في غزة.
يبدو أن الانفتاح السعودي بقوة على لبنان، سيعزز آلية الضغط العربي على واشنطن، كي تمارس نفوذها على تل أبيب، من أجل تنفيذ اتّفاق وقف النار، فالعلاقة السعودية- الأميركية في ظلّ رئاسة دونالد ترامب، تتّجه نحو المزيد من التطور، بما يساعد لبنان في توظيفها لمصلحته.