إسلام جحا - خاصّ الأفضل نيوز
كثيرةٌ هي الأفكار الغريبة التي أطلقها دونالد ترامب لمعالجة مشاكل العالم، من اقتراحه في ولايته الأولى بحقن سائل معقّم في جسم الإنسان للقضاء على كوفيد-19 إلى طرحه قبل أيّامٍ فكرة تهجير سكّان قطاع غزّة إلى مصر والأردن وسيطرته على القطاع بعد تحويله وفق تصوّره، إلى "ريفييرا الشّرق الأوسط"، وبين مزح ترامب وجدّيّته يبقى السُّؤال: ما مدى مشروعيّة كلامه هذا؟.
المُتابع للرَّئيس الأمريكيّ من كثب يُدرك تمامًا أنّ الرّجل يعشق "الشووْ أوف" من خلال اجتراح الحلول الغريبة التي تشعل مواقع التّواصل وتجعله حديث العالم. لكن، لم يتخيّل أحدٌ أن تصل به عبقريته إلى الحدّ الذي يعتقد فيه للحظةٍ أنَّ العالم معحبٌ بأفكاره.
مفهوم التهجير القسري في القانون الدولي
يُعرف التّهجير القسريّ بأنه نقل السّكان من أراضيهم قسرًا، وهو محظور بموجب القانون الدّولي، إذ تنصّ المادة 49 من اتفاقيّة جنيف الرّابعة لعام 1949 على أنه "يُحظر النّقل الجبري الفردي أو الجماعي للأشخاص المحميين، أو ترحيلهم من الأراضي المحتلّة إلى أراضي الدّولة المحتلّة أو إلى أيّ أراضٍ أخرى، سواء كانت محتلة أم لا". كما أن نظام روما الأساسيّ للمحكمة الجنائية الدّوليّة يصنّف التهجير القسري ضمن الجرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم الحرب.
سياسات ترامب التهجيرية
محاولة تهجير الفلسطينيّين لم تكن وليدة الأمس، ففي صفقة القرن هدف ترامب إلى إعادة رسم الحدود وتقليص الأراضي الفلسطينيّة، السّيادة على مناطق واسعة من الضفة الغربية بهدف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
وأدّى قرار ترامب بنقل السّفارة الأمريكيّة إلى القدس عام 2018 إلى تصعيد النزاع، حيث اعتُبر ذلك اعترافًا أمريكيًا بالقدس عاصمة للكيان، وهو ما يعارض قرارات الأمم المتحدة، مثل القرار رقم 478 لعام 1980 الذي يرفض الاعتراف بضمّ القدس من قبل الاحتلال.
وكانت واسنطن قد قطعت التمويل عن الأونروا منذ العام 2018، مما أدّى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية على مليونين و400 ألف فلسطيني خصوصّا بعد العام 2023 الذين باتوا يعانون ويلات حرب استمرّت 15 شهرًا.
ترامب يخالف اتفاقيات جنيف
بالعودة إلى تصريحات ترامب الأخيرة بتهجير أهالي غزة، يواجه المقترح عدة إشكاليّات قانونيّة على الصّعيدين الدّوليّ والإنسانيّ، مثل انتهاك القانون الدّوليّ الإنسانيّ واتفاقيّات جنيف (1949) التي تحظّر التّرحيل القسريّ للسُّكّان المدنيّين، خاصة المادة 49 من اتفاقيّة جنيف الرابعة، التي تمنع أيّ قوة احتلال من ترحيل السّكان داخل الأراضي المحتلة أو خارجها.
ووفق المحكمة الجنائيّة الدّوليّة (روما 1998)، يُعتبر التهجير القسري جريمة حرب وجريمةً ضدّ الإنسانيّة عندما يتمّ بشكلٍ ممنهجٍ أو واسع النطاق، كما يسوّق ترامب وحليفته "إسرائيل".
مخالفة ميثاق الأمم المتحدة
الفقرة 4 من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتّحدة تحظر التّهديد باستخدام القوّة ضدَّ وحدة أراضي أيّ دولة أو استقلالها السّياسيّ، والتّهجير القسريّ قد يُفسَّر كعمل عدائيّ ضدّ السّيادة الفلسطينية.
وتعرّض تصريحات ترامب حقّ تقرير المصير، إذ يُعد الشّعب الفلسطينيّ صاحب حقّ أصيل في تقرير مصيره وفق قرارات الأمم المتّحدة، ومنها القرار 242 و338 و194، وأي تهجير قسري يُعد انتهاكًا لهذا الحقّ.
مخالفة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان
يضمن الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان (1948) حقّ الإنسان في البقاء في وطنه وعدم طرده قسرًا. بالإضافة إلى المعاهدات الدّوليّة المُلحقة مثل العهد الدّوليّ للحقوق المدنيّة والسّياسيّة تمنع التهجير غير الطوعي للسّكان الأصليّين.
مسؤوليّة الولايات المتحدة دوليًّا
يؤدّي هذا المقترح إلى عقوبات دوليّة على الكيان الصّهيونيّ أو الشركات الأمريكيّة التي قد تساهم في تنفيذ التهجير. وقد يؤدّي تنفيذ ترامب لتصريحاته - المرفوضة حتى الآن إلى تفاقم الصّراعات في الشرق الأوسط، ويفتح بابًا للنّزاعات المسلّحة، مما يضع الولايات المتّحدة والاحتلال أمام تبعات أمنيّة وسياسية خطيرة.
إنّ مقترح ترامب يتعارض بشكلٍ واضح مع القوانين الدولية، ويُعتبر جريمة تهجير قسري وفق القوانين الجنائيّة الدّوليّة، مما يعرض منفذيه إلى مساءلة قانونية. كما أنه يخلق أزمة دبلوماسيّة ويهدد السّلم الإقليمي والدّوليّ.