سحر ضو - خاصّ الأفضل نيوز
في لبنان، أصبحت الجريمة جزءًا من الواقع اليومي، تتسلل إلى حياة المواطنين في الشوارع والمنازل، وتزرع الخوف في تفاصيل حياتهم. معدلات الجرائم تزداد، من القتل إلى السلب والاعتداءات، مما يعكس صورة قاتمة تهزّ الاستقرار الاجتماعي.
وبموجب قانون العقوبات اللبناني، يُعاقب مرتكب جريمة القتل العمد بالأشغال الشاقة لمدة تتراوح بين 15 و20 سنة، مع إمكانية تشديد العقوبة إلى الإعدام في حالات مثل القتل مع سبق الإصرار أو استخدام وسائل وحشية. أما السلب بالقوة، فيُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة، لكن في ظل تزايد الجرائم، يبقى السؤال الأبرز: هل فقد القانون قدرته على الردع؟ وهل باتت العقوبات مجرد كلمات على ورق لا تلجم هذا الانفلات الأمني المتزايد؟
المحامي بالاستئناف سليم الأعور أشار في حديث خاص للأفضل نيوز إلى أن القوانين اللبنانية ليست ضعيفة على الورق، فعقوبة الإعدام على جرائم القتل العمد والسجن الطويل في قضايا السلب المسلح موجودة، لكن المشكلة تكمن في الفجوة الكبيرة بين النصوص القانونية وتطبيقها على أرض الواقع. ويضيف المحامي: عندما يصبح القانون مجرد حبر على ورق، ويتأثر بتساهل قضائي وضغوط سياسية، يتحول المجتمع إلى ساحة للإفلات من العقاب، وبالتالي إن الجاني لا يخشى العقوبة، لأنه يدرك جيدًا أن هناك دائمًا ثغرات، وأن القانون لا يُنفذ كما هو مكتوب.
وعلى الرغم من وجود عقوبة الإعدام في القانون اللبناني، إلا أن تنفيذها توقف منذ عام 2004، ما حولها إلى تهديد فارغ بلا تأثير حقيقي. لذلك، يتساءل الكثيرون: هل يمكن ردع المجرم بنص قانوني لا يُطبق؟ وهل يكفي "الخوف النظري" من عقوبة معلقة لردع من اختار العنف وسيلة لتحقيق أهدافه؟ وربما الإجابة قد تكون واضحة بالنظر إلى ما يحدث اليوم في شوارع لبنان.
ومن جهة أخرى، يقول الدكتور دانيال رزق، المختص في العلوم الصحية والعلاج النفسي، للأفضل نيوز: إن المشكلة أعمق من مجرد فشل في تطبيق القانون. فالجريمة ليست فقط نتيجة لفعل فردي ناتج عن خلل أخلاقي، إنما هي نتاج لانفجار اجتماعي طويل الأمد. ويضيف: الفقر، البطالة، اليأس، التفكك الأسري، وانهيار النظام التعليمي كلها عوامل تُغذي بيئة الجريمة. ففي مجتمع يعاني من الأزمات المستمرة، يصبح العنف أحيانًا الخيار الوحيد للمواطن الذي يفتقر إلى الأمل في المستقبل. فالجاني ليس بالضرورة "وحشًا متعطشًا" للدماء، بل هو في الكثير من الأحيان نتيجة لانهيار المجتمع من الداخل.
وفي هذا السياق، يجزم "رزق" بأن الحلول الأمنية وحدها، رغم ضرورتها، لا تكفي لمكافحة الجريمة. فالزيادة في دوريات الشرطة، وتكثيف الاعتقالات، وتوزيع الأحكام القاسية قد توفر بعض الأمان المؤقت، لكن الجريمة لا يمكن محاربتها بهذه الطريقة فقط، إنما بمعالجة جذور المشكلة، من خلال تحسين الظروف المعيشية، وخلق فرص عمل، وتوفير تعليم حقيقي، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة.
في وطن يلتهمه الانهيار، قد لا تكون الجريمة مجرّد عارض… بل ورقة في يد لاعب خفي يُحسن تحريكها.
فهل ما نشهده فوضى عفوية أم انفلات مُفتعل يُبقي البلاد على حافة الانفجار؟