رائد المصري - خاص الأفضل نيوز
يُراوح مسار التأليف الحكومي مكانه، في ظل تعقيدات سياسية تتزايد يوماً بعد يوم، وتتعلق بثنائيتين تمنعان ولادة التشكيلة، إذ تتمثل العقدة الأولى في الثنائي أمل وحزب الله، مع اتهامات للرئيس المكلف القاضي نواف سلام، بأنه تجاوب مع مطالبهما، أما الثانية فهي دستورية وتتعلق بتمسك سلام بشراكة حصرية مع رئيس الجمهورية، ويرفض إعطاء باقي الأطراف السياسية الحق في تسمية وزرائهم، في الوقت الذي تشكِّل فيه زيارة نائبة المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس تطوراً بارزاً، وتُعدُّ الخطوة الأولى على طريق الألف ميل، في ترسيخ الواقع الجديد في جنوب لبنان، حيث أن المؤشّرات الآتية من واشنطن، تحذّر من جولة قتال جديدة بين الحزب وإسرائيل في الربيع المقبل، بحال عدم قراءة خرائط النفوذ الجديدة في المنطقة.
لكن تبدو القضية أكبر من خلاف على وزير أو تسمية، بل تتعلق باستقلالية تشكيل الحكومة، وعملها في المستقبل بعيدًا عن المناكفات والتدخلات، واستبق وصول الموفدة الرئاسية الأميركية إلى لبنان والمنطقة موقفاً أميركياً، تجاهل المهمة الأساسية المتعلقة وضمانات وقف النار وتنفيذ الاتفاق ضمن المهلة الممتدة إلى 18 شباط، والمرشحة لأن تتمدد لفترات إضافية، بدعم أميركي، والتركيز على ملف تأليف الحكومة، من زاوية إبعاد أي دور لحزب الله داخلها، وبالتهديد بأن لبنان سيتعرض لعزلة أكبر ودمار اقتصادي، ما لم تشكل حكومة ملتزمة بالإصلاحات، وتحد من نفوذ حزب الله.
كانت الانتقادات الواسعة لرئيس الحكومة المكلف من قبل شرائح نيابية واسعة، تشكَّلت عن قناعة تامة لديها، على أنه قدّم تنازلات للثنائي أمل وحزب الله، الذين لم يُسمّياه في الاستشارات النيابية الملزمة، بينما تشدد ووفق مندرجات الدستور في مواجهة بقية القوى السياسية التي سمّته، من باب اعتباره بأن اختيار الوزراء حق دستوري مكرّس له، بالتشاور مع رئيس الجمهورية، في حين أن تلك القوى ترفض أن تكون الثقة التي قد تمنحها للحكومة الجديدة مجانية، وتعتبر أن تسمية الوزراء يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أيضاً هذا المعطى الدستوري أي الثقة النيابية.
يُمكن القول أن المشكلة ليست تحديداً في تعاطي الرئيس المكلّف مع الثنائي الشيعي، لأن الواقعية السياسية، والحلول على قاعدة أفضل الممكن، تبقى ضرورية خاصة في ظلّ موازين القوى الحالية في المجلس النيابي، لكن المشكلة بدأت حين سلك الرئيس سلام نهجاً مختلفاً مع باقي القوى السياسية، خاصة السنّية والمسيحية، رافضاً السماح لها بتسمية وزرائها، متمسكًا بتفسير ضيّق للدستور، الذي ينص على أن تشكيل الحكومة هو من صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وليس الكتل النيابية، ما أظهر تناقضًا في مقاربة سلام لمسألة التأليف، وهو ما دفع بمعظم القوى السياسية، إلى التصويب عليه، من زاوية عدم وحدة المعايير التي يتّبعها في إختيار الوزراء، وفي تمثيل الأحزاب والكتل النيابية.
ولهذا يبدو أن هناك تزامناً مع موعد إعلان التشكيلة الحكومية وزيارة أورتاغوس، وكذلك زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعاصمة الأميركية واشنطن، ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للبحث بملفات البرنامج النووي الإيراني، واتفاق تبادل الأسرى في غزّة، والضفّة الغربيّة ومحاولة ضمُّ بعض مناطقها لإسرائيل، والتطبيع مع بعض الدول العربية، وبطبيعة الحال الملفّ اللبنانيّ.
هنا ترغب تل أبيب التمديد من جديد للاتّفاق حتّى نهاية شهر شباط الجاري، حيث كشفت مصادر دبلوماسية أميركيّة وحصل عليها "الأفضل نيوز"، بأن نتنياهو يريد تمديد مفاعيل الاتّفاق، تمهيداً لإعلان الأوّل من آذار، موعداً لعودة المستوطنين إلى الشّمال، بناءً على اقتراح وزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش، الذي يُفضّل التركيز على جبهة الضفّة الغربيّة، واستئناف الحرب على حركة حماس في غزّة، هذا التفهُّم يبدو أن المبعوثة الأميركية الجديدة أورتاغوس مقتنعة به، لناحية نوايا إسرائيل البقاء في عدد من التلال في جنوب لبنان مثل جبلَيْ بلاط واللبّونة، ومرتفعات العويضة والحمامص، للإشارف الكامل على القطاع الغربيّ لجنوب لبنان، وصولاً إلى ساحل مدينة صور، وعلى مستوطنتَيْ حانيتا وشلومي وصولاً إلى الكريوت وخليج حيفا، في شمال غرب فلسطين المحتلّة.
واليوم وبحسب معلومات ديبلوماسية غربية من واشنطن، تبحث الإدارة الأميركية كذلك، إمكانية العودة إلى إتفاق الهدنة الموقّع بين لبنان وإسرائيل في آذار 1949، وما يتضمّنه من تعهّدات لبنانيّة تتعلّق بعدم قيام أيّ عمل عسكري ضدّ إسرائيل، من القوات المسلّحة الرسمية وغير النّظاميّة، بهدف وضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولياتها عن أيّ خرقٍ للاتّفاق، وفي الوقت عينه تكون بديلاً دائماً عن وقف إطلاق النار الذي أُبرِمَ أواخر تشرين الثاني الماضي، فهذا الاتفاق، يطلق صفارة البدء بمفاوضات تثبيت الحدود البريّة بين لبنان وإسرائيل، حيث أن العودة إلى مقترحات آموس هوكستين قبل ذلك، لم تعد صالحة بالنسبة للإسرائيليين، بعد تغيير موازين القوى، والتي لم تعد صالحة كمقترحات كانت المقاومة تربط موافقتها عليها بوقف الحرب في غزّة.
لذلك ستقود أورتاغوس مفاوضات جديدة حول النّقاط البرّية، وقد تزيد الأمر صعوبةً المطالب الأمنيّة الإسرائيلية، التي تتعلّق بطموح تل أبيب لتشييدها في مناطق متنازع عليها مع لبنان.
فالحكومة التي يراد تشكيلها ستكون أمام تحديات وصعوبات محلية وخارجية في كيفية التعامل معها، من دون توافق سياسي واسع تؤمّنه للحكومة الكتل النيابية، لا سيما إذا استمر الضغط الأميركي على العهد وعلى الرئيس سلام لاستبعاد حزب الله، وما لم يحصل الرئيس المكلف على ثقة نيابية مقبولة، ستواجه الحكومة عقبات وتعطيل من دون وجود الثلث المعطل فيها.
أما ما يتعلق بالشق الخارجي والإقليمي الذي سيواجه الحكومة بعد الحرب، ومعالجة نتائجها الإعمارية والمالية وبقاء الاحتلال في عدد من المناطق الجنوبية، وبعد المتغيرات التي حصلت في وضع المنطقة من سوريا وعاصفة تصريحات ترامب التي تسببت بها بعد لقاء رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، حول السيطرة على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين وإعادة توطينهم في مصر والأردن ودول أخرى منها لبنان، يبدو أنه زاد في تعثر إخراج الحكومة، وهو ما ذكره مسؤول في الإدارة الأميركية ودبلوماسي غربي ومصادر حكومية إقليمية، أن مبعوثة الرئيس دونالد ترامب مورغان أورتاغوس وجهت رسالة حازمة إلى الزعماء اللبنانيين خلال زيارتها بيروت، مفادها أنّ الولايات المتحدة لن تتسامح مع النفوذ غير المقيّد لحزب الله وحلفائه على تشكيل حكومة جديدة، حاملة رسالة أميركية بأنّ لبنان سيواجه عزلة أعمق ودماراً اقتصاديّاً ما لم يُشكّل حكومة ملتزمة بالإصلاحات والقضاء على الفساد والحدّ من قبضة حزب الله.
أخيراً، لبنان أمام مفترق مفصلي محرج، العدو مستمر في اعتداءاته على القرى الحدودية، ويراوغ في الانسحاب خارج الأراضي اللبنانية، الأزمات المتشابكة تفتك بحياة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، وعشرات الآلاف من العائلات فقدوا منازلهم، وانطلاقة العهد الواعد ما زالت رهينة الشروط والشروط المضادة التي تعرقل ولادة حكومة الإصلاح والإنقاذ، وإعادة وطن الأرز إلى صدارة الاهتمامات العربية والدولية، يبدو أن لبنان أمام فترة انتظار الترياق الخارجي، للخروج من إحباط الصدمة الجديدة، كما جرت العادة، فهذا البلد أمام معضلة حقيقية، في ظل هذا الواقع المأزوم، حكومة بدأ يتجاذبها، قبل التشكُّل، منطق التحاصص والتناتش على الوزارات الدسمة، وحكومة إسرائيلية متأهبة تشحذ سكاكينها للانقضاض على مستقبل لبنان الأمني، في ظل طروحات إدارة ترامب الجديدة، بإلغاء خرائط وإجراء عمليات ترانسفير سكاني لأهل فلسطين...ولا مسؤولية وطنية تحكم الطاقم السياسي الذي يمهد ويعدُ العدة للاستفراد بمكونات البلد ومؤسساته.