كريستال النوّار- خاصّ الأفضل نيو
دقّ وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض ناقوس الخطر، في اليوم العالمي للسرطان الذي صادف في 4 شباط، لافتاً إلى أنّ نسبة المصابين بمرض السرطان ترتفع بشكل كبير، والدليل على ذلك تقديم 90 ملفًّا جديداً إلى الوزارة في غضون أسبوع فقط. الرقم هائلٌ ويعكس الوضع الصحّي الخطير.
الطّبيب الاختصاصي بأمراض الدم والأورام د. فراس كريديّة، يُشير في حديثٍ إلى موقع "الأفضل نيوز"، إلى "أنّنا نشهد ازدياداً في حالات الإصابة بالسرطان، وبالمرضى الذين يتقدّمون بطلبات إلى وزارة الصحة لتأمين الدواء. وهذا يعكس أنّنا نشهد زيادة خطيرة في الإصابات وعدد الحالات المُسجّلة يزيد بما يُقارب الـ 30 في المئة، وهذه نسبة مرتفعة. كذلك، فإنّ اللجوء إلى وزارة الصحة سببه الأوضاع المعيشيّة التي نُعاني منها في البلد، حيث للأسف الكثير من الناس لم يعد لديها أيّ تأمين صحّي وبالتالي يلجأ المرضى إلى الوزارة لتوفير الدواء"، مشدّداً على الدور المهمّ الذي تؤدّيه وزارة الصحة في هذا الإطار لناحية تغطية أدوية مرضى السرطان "قدّ ما فيها" وإن شاء الله نتّجه للتغطية بنسبة أكبر.
ويُضيف د. كريديّة أنّ "اللافت ليس فقط ازدياد الحالات بنسبة الـ 30 في المئة، بل أيضاً الفئة العمريّة"، موضحاً أنّ معظم الإصابات اليوم تكون عند الأشخاص بين الـ 30 والـ 40 عاماً أي في العقود الثالثة والرابعة من العمر، فيما كنّا نشهد العدد الأكبر من الإصابات في السابق ما بين الـ 50 و60 عاماً. وتركّز الإصابات بهذه الفئة العمريّة المبكرة يدلّ على أنّنا في وضع خطير جدًّا".
ماذا عن الأسباب؟ يرى د. كريديّة أنّ "السبب الأساس يعود إلى التلوّث المُنتشر"، ويُتابع: من المهمّ التركيز على التلوث البيئي في لبنان، "متل غيمة سوداء تغطّي البلد" والسبب الرئيسي هو الاعتماد الهائل على قطاع المولّدات وفي الوقت نفسه انعدام للتيار الكهربائي. فعندما نتنفّس الجزيئات الناتجة عن تشغيل المولّدات، تترسّب في الرئة وتسبّب أمراض التنفّس كما أنّ هناك بعض المواد المُسرطنة موجودة في هذه الجزيئات بالإضافة إلى مصادر أخرى مثل المركبات والمحارق.
ويقول: "الحياة التي نعيشها كلّها تلوث، وهذا ما ينعكس على الفئات العمريّة الصّغيرة".
بالإضافة إلى التلوّث، لا بدّ من تسليط الضّوء على سببٍ لا يقلّ أهميّة وهو الحالة النفسيّة المتردّية التي يعيشها اللبناني والتي تُساهم في زيادة حالات الإصابة بالسرطان بشكلٍ كبير.
"ما حدا يقلّك إنّو النفسيّة ما بتأثّر على المناعة.. هيدا منّو حكي صالونات بل أمر مُثبت علميًّا"، وفق ما يقول الطّبيب كريديّة، لافتاً إلى أنّ "أيّ حزنٍ قوي يُسبّب ضعف المناعة وبالتّالي يزيد تكاثر الخلايا السرطانيّة".
ويوضح: "كلّ الخلايا في أجسامنا معرّضة لأخطاءٍ جينيّة أثناء تكاثرها، والسرطان هو عبارة عن خلايا تعرّضت لأخطاءٍ جينيّة وتكاثرت بشكلٍ عشوائي من دون أن تواجه مَن يصدّها.. والجهاز المناعي هو من يعمل عادةً على وقفها"، مضيفاً: "المناعة تتأثّر كثيراً بالنفسيّة، لذلك الحالة النفسيّة السيّئة تؤدّي إلى هبوط في جهاز المناعة ما يُعرّض الجسم إلى خطر أكبر للإصابة بالسرطان".
للإضاءة أكثر على الحالة النفسيّة السيّئة التي يعيشها اللبناني، يُعطي د. كريديّة مثالاً في مقارنةٍ واضحة بين مريض السرطان الذي يُعالَج في لبنان والمريض في الولايات المتّحدة، وفق الحالات التي اختبرها هناك. ويُشير إلى أنّ المريضَين حتّى لو كان عندهما نفس نوع السرطان ومرحلة الانتشار ذاتها، فإنّ العقبات التي يواجهها اللبناني أكبر بكثير من تلك التي يعيشها المريض في الولايات المتحدة مثلاً، قائلاً: "الفرق شاسع بين الإثنين. في لبنان، المريض يُعاني من عبء نفسي ومعيشي واقتصادي ويخسر 10 في المئة من وقته فقط على العلاج أمّا الـ 90 في المئة فيقضيها مُحاولاً تأمين الدواء أو الأموال للعلاج.. للأسف ليس لدينا أيّ دعم قويّ للمريض، لا اقتصادي ولا معنوي".
هل من طريقة للحدّ قدر الإمكان من الإصابة؟ يُجيب الطّبيب: "الوقاية والوعي. فما زلنا حتى اليوم، لا نُمارس الوقاية كما يجب، نتيجة الضّغوط النفسيّة والاقتصاديّة التي نتعرّض لها، والتي بسببها يؤجّل الفرد إجراء الصّور والكشف المبكر والفحوصات مثلاً. والسّبب الآخر، هو عودة البعض إلى التدخين بسبب الأوضاع، بعدما كان قد أقلع عن هذه العادة، أو اللجوء إلى نمط الحياة غير الصحّي، كما أنّ الضّغط النفسي والعصبي الذي نتعرّض له يوميًّا يُعتبر سبباً أساسيًّا أيضاً".
"الصحة أهمّ شي".. فعلى الرّغم من أنّنا في بلدٍ يُعاني من مشاكل كبيرة، إلا أنّ الصحّة يجب أن تكون على رأس الهرم لأنّها الأساس. ويقول د. كريديّة: "أرغب في أن أرى تطوّراً في القطاع الصحّي في لبنان. لقد كانت لدينا سياحة طبابة ولكن اليوم نرى تراجعاً في هذا الأمر بسبب الأوضاع"، مُطالباً بـ"إعطاء القطاع الصحّي أهمية كبرى والعمل قدر الإمكان على توفير الدواء، لأنّ الصحّة حقٌّ لكلّ مواطن وهي واجب على الدولة".
ففي بلدٍ تلعب السياسة فيه دوراً محوريًّا، هل يُمكن أن نشهد يوماً مَن يُنادي بـ"الصحّة أوّلاً"؟