يحيى الإمام- خاصّ الأفضل نيوز
انفصام الشخصية هو اضطراب عقلي شديد يفسّر المصابون به الواقعَ بشكل غير طبيعي وغير منطقي ولا عقلاني، وينتج عنه مجموعة من الهلوَسات والأوهام والاضطرابات في التفكير والسلوك وهو ما يعرقل أداء الوظائف اليومية للعقل البشري.
وفي علم النفس يعتبر الفصام ( أو الانفصام ) schizophrenia اضطراباً نفسياً يتميز بفقدان الاتصال بالواقع (الذهان psychosis)، والهلوسة (سماع أصوات غير حقيقية)، والإيمان بمعتقدات زائفة (أوهام)، والتفكير غير المنطقي والسلوك غير الطبيعي، وقلة التعبير عن المشاعر، وضعف الهمة والدافع، وتدني الوظائف الذهنية ( وظائف الإدراك) .
والإنسان العربي الذي يرفض الظلمَ والعدوان، ويقدّس البطولة والبطولات ويثمّن التضحيات والدماء ويسير في مواكب تشييع الشهداء، وترنو عيناه دائماً إلى تحرير الأرض والإنسان والمقدسات، تجده في الوقت عينه مسالماً ومستسلماً، خاضعاً وخانعاً، خجولاً وخائفاً، يعتبر هيمنة قوى الاستعمار على مقدرات أمّته، واستبداد الحاكمينَ فيها من قضاء الله وقدره، ويعتبر طاعةَ ولي الأمر من صلب الدين الحنيف ومن تعاليم الشريعة السمحاء، حتى ولو ضلَّ الحاكم وزلّ ، وقد ظهر هذا الأمرُ واضحاً وجلياً، بعد أن أعفت إحدى السلطات في بلادنا العربية عن متحرش بالأطفال يحمل الجنسية الإسبانية، وأطلقت سراحه، فما كان من الجماهير المؤيدة إلا أن رضيت بذلك وأيدت القرار، لا بل إنها حملت في تظاهرة كبيرة لافتات كتب على إحداها : ( مؤخرات أطفالنا فداك يا وليَّ الأمر والنعمة).
وبعد ما حدث من إجرام موصوف ومنظم في غزة هاشم في فلسطين المحتلة، وما شهدنا وشهد العالم كله من مجازر ومذابح وإبادة جماعية وقتل وتهجير وتدمير وحصار وتجويع، كنا نظنَّ أن الأمةَ قد استفاقت من سباتها، وأن من أهم مفاعيل معركة طوفان الأقصى تحرّر الإنسان العربي من عقدة الخوف والنقص والدونية التي لازمته لسنوات، بعد خيانة السادات عام ١٩٧٣ وما تبعه من اتفاقيات ذلٍ وخنوع في كامب دايفيد وأوسلو وفي وادي عربة وفي البحرين، وكنا نظن أن المطبّعين العربَ قد تلقّوا صفعةً مدويةً على الوجه والقفا، وإذا بنا نراهم يخجلون بذكر أيقونة العرب والمسلمين يحيى السنوار، ويتململون إذا ذُكر سماحة السيد الشهيد البطل العظيم حسن نصر الله، الذي أثبت للكون أجمع، لا للأمة العربية فحسب، بأنه وإخوته في المقاومة الإسلامية في لبنان أشرف وأنبل وأشجع وأعظم رجال الأمة، لأنهم قدموا في مساندتهم لغزة هاشم ما استطاعوا من تضحيات جسام، فاغتيل قادتهم، وفقد كوادرهم أبصارَهم دون أن يفقدوا بصيرتهم، ودمرت قراهم وبيوتهم وشُرّد أهلهم في كل مكان تواجدوا فيه، والقاعدون العرب يراقبون ويقيّمون الحضور والأداء فإن أحسنت قوة الرضوان في صدّ العدوان لم يستحسنوا، وإن أخفقت في منع الاغتيالات اعتبروا ذلك هزيمةً لإيران، إن لم نقل هلّلوا وفرحوا، وحتى السيد الشهيد حسن نصر الله والذي اعترف غالانت بنفسه بأنه أمر بإلقاء ثمانين طناً من الصواريخ والمتفجرات والغازات الخانقة عليه ( ثمانين طناً على رجل واحد يا عرب ) من أجل ضمان قتله بنسبة ٩٩٪، لا يستطيع هؤلاء المراقبون إلا أن يحترموه، ولكنهم يخجلون بإعلان ذلك، من منطلقات مصلحية بحتة لا مذهبية ولا قومية كما يظن البعض، فهم يقرون بأنه كجده الحسين أشرف أشراف المسلمين والعرب، ومن أقحاح العرب، ويقرون بأن الإخوةَ اليمنيين الحوثيين هم أصل العرب وهم درع الإسلام وسيفه " اليماني"المجرّد على الأعداء الغاصبين على امتداد العصور والأزمنة، ويدركون تماماً مدى إسهامهم في نصرة أهل غزة وإذلال العدو، ويسمعون الشكرَ والثناء لهم على ألسنة قادة المقاومة من قلب غزة الجريحة المحاصرة، ويحفظونَ قول النبي العربي (ص) : " من بات ليلته لا يعنيه أمرُ المسلمينَ فليس منهم"، (ولئن كان الشيعة في نظرهم أهلَ تقيّةٍ، فهم في نظر أطفال غزة ونسائها أهل نفاق وذل وخذلان وخيانة ورِدّة )، ورغم ذلك كلّه يسبحون بحمد أمريكا ويباركون مشاريعَها في منطقتنا العربية.
أذكر حينما استقبلنا الكاتب الكبير والملهم محمد عمارة في أزهر البقاع منذ خمسة عشر عاماً تقريباً أنه قال : " علاقة العرب بأمريكا زي مرَات الشيخ ابراهيم عندنا، وروى لنا أن شيخ كتّابٍ في قريتهم كان مشهوراً بظلم أسرته وضرب زوجته، وكان كلما ضربها، تنحني أمامه لتقبّلَ قدميه ثم تقول له باللهجة المصرية :" أَحبَّك يا ابراهيم "...
ماذا بعد ضلوع أمريكا بتدمير العراق الشقيق وليبيا وسوريا وتقسيم السودان وضرب فلسطين ولبنان بإيعاز أمريكي وسلاح أمريكي ومعلومات أمريكية وغطاء أمريكي ومباركة أمريكية؟
وإذا كان الشيخ ابراهيم ظالماً حقاً، فلا يبرّر ذلك لكم أن تركعوا عند قدميه وتقولوا له : " أحبك يا ابراهيم".. وسيبقى خيارنا كشعب عربي واحد : " لن نرضى ولن نقبلَ الخيارات الإبراهيمية سياسيةً كانت أم دينيةً...