لولو سليمان- خاصّ الأفضل نيوز
في لبنان، لا يحتاج الموت إلى موعد أو سبب، فقد يأتيك من حيث لا تحتسب... رصاصة طائشة تسقط من السماء، تحوّل لحظة فرحٍ إلى مأتم، ولحظات وداع إلى مشهد من الفوضى والخطر. ففي لحظاتٍ يُفترض أن يسودها الصّمت والرّهبة، تخترق الرصاصات الهواء، لا تميّز بين الأرض والسماء، ولا بين المشيّعين والمارّين. وبينما يُرفع عريسٌ أو فقيدٌ على الأكتاف، قد يسقط آخر برصاصة لم يكن له فيها ناقةٌ ولا جمل. بين الأفراح والأتراح، تواصل هذه الظاهرة حصد الأرواح، فكيف تحوّلت السماء إلى مصدر للخطر؟ ولماذا تبقى هذه الجريمة بلا رادع؟
رصاص الفرح والحزن.. القاتل واحد
إطلاق النار في الهواء بات طقسًا ملازمًا للعديد من المناسبات في لبنان، حيث يلجأ البعض إلى استخدام الرصاص للتعبير عن مشاعرهم، سواء كانت فرحًا أو حزنًا. في الأعراس، تملأ الطلقات السماء كنوع من "الاحتفال"، وفي التشييع، يختلط الحزن بدويّ الرصاص وكأنّ الموت لا يكفي. إلاّ أنّ هذه العادة القاتلة حصدت العديد من الأرواح، حيث سقط أطفال ومارّون برصاص لم يكن موجّهًا إليهم، لكنه وجد طريقه إليهم بفعل الاستهتار واللامبالاة.
ضحايا في كل مكان.. ولا محاسبة
أسماء الضحايا كثيرة، ومعظمهم ليسوا طرفًا في الحدث الذي أُطلق فيه الرصاص. قصصٌ مأساوية تتكرّر: طفلٌ يلعب في شرفة منزله، شابّةٌ تسير في شارع مزدحم، عاملٌ في متجره، كلّهم قضوا برصاصٍ لم يكن موجّهًا إليهم، لكنّه أصابهم في لحظةٍ قاتلة.
إذ تسبّب الرصاص الطائش بإزهاق أرواح عددٍ كبيرٍ من الأبرياء على مرّ السنوات في لبنان، كان آخرها مهدي الرّاقد بين الموت والحياة. ثمانية قتلى و15 جريحًا هو المعدل السنوي لضحايا الرصاص الطائش في لبنان، وفق دراسة شركة "ستاتيستكس ليبانون"المبنيّة على ما شهدته السنوات العشر الأخيرة. وللأطفال نصيبهم من هذا الرصاص القاتل.
وعلى الرّغم من التّحذيرات الأمنية والقوانين التي تجرّم إطلاق النار العشوائي، إلا أنّ تطبيق العقوبات يبقى هشًّا، وسط غياب آليات ردع فعّالة.
غياب الوعي والمسؤولية
إلى جانب ضعف المحاسبة، يساهم غياب الوعي المجتمعي في تفاقم الظاهرة. البعض يبرّر هذه الأفعال على أنها "جزءٌ من التّقاليد"، بينما يبرّر آخرون أنّها "لحظة انفعال". إلا أنّ الحقيقة تبقى أنّ هذه العادة تحصد الأرواح، وتحوّل المناسبات إلى مأتم غير متوقّع. في دول كثيرة، يُعتبر إطلاق النار العشوائي جريمةٌ يعاقب عليها القانون بصرامة، فلماذا يبقى في لبنان مجرّد "تصرّف طائش" يُستهان بعواقبه؟
قانون غائب وأرواح ضائعة!
في هذا الإطار، يُؤكّد مصدر أمني *للأفضل نيوز* "أنّ إحدى المدن اللبنانية الكبرى سجّلت أكثر من 40 إصابة بالرّصاص الطّائش في يومٍ واحد، وأكثر من 60 خلال 4 أيام من الشهر الماضي، عِلمًا أنّ العدد ارتفع إلى 100 عندما شملت باقي المناطق".
ويُضيف المصدر إنّ مجلس النواب كان قد أقرّ القانون رقم 71/2016، الذي يجرّم إطلاق عيارات ناريّة في الهواء ويعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وتصل العقوبة إلى الأشغال الشاقّة لمدة 10 سنوات ولا تتجاوز 15 سنة، وبغرامة من 20 إلى 25 ضعف الحد الأدنى للأجور (ما بين 13.5 مليون ليرة و16.8 مليون ليرة)، في حال أدّى إطلاق النار إلى الموت. ولم يشكّل هذا القانون رادعًا، حيث استمرّت هذه الظاهرة ليسقط نتيجتها المزيد من الضحايا".
هل من حلول حاسمة قبل فوات الأوان؟
مع تزايد الحوادث التي تُسجّل سنويًا، يُصبح من الضّروري فتح آفاق جديدة للحلّ، بدءًا من تعزيز ثقافة السّلامة العامة والتوعية المجتمعية، وصولًا إلى تعزيز دور الأجهزة الأمنية في مراقبة وتطبيق القوانين بشكل أكثر صرامة. وفي هذا السّياق، يمكن التفكير في تطوير تقنيات حديثة للرقابة، مثل استخدام الكاميرات الأمنية في الأماكن المزدحمة الّتي تشهد إطلاق الرصاص، وتوسيع برامج التوعية التي تستهدف مختلف الفئات العمرية والمجتمعية.
ختامًا، الرصاص الطائش ليس مجرّد حادث عابر، بل جريمة مكتملة الأركان، يذهب ضحيتها أبرياء كل يوم. وبينما يبقى مرتكبوها بعيدين عن المساءلة، تستمرّ المعاناة، وتتجدّد المآسي. فإلى متى يبقى الموت في لبنان قرارًا عشوائيًا، بلا حسابٍ ولا عقاب؟