نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
الشغل الشاغل لأجهزة الاستخبارات الأوروبية "من يغتال دونالد ترامب؟" هذه الأجهزة تكاد تجمع على أن الرجل قد لا يكمل الولاية الثانية. فولوديمير زيلينسكي الذي قد يسقط، كأي دمية، عن المسرح وحتى قبل أن يسدل الستار، يهدد بإطلاق الرصاصة الأخيرة على رأس الرئيس الأميركي.
جوناثان بانيكوف، مدير "مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط" والمسؤول السابق في "مجلس الاستخبارات الوطني"، رأى في ترامب "الرجل الذي يكدس الأعداء فوق جثته".
تلفته المواقف الأوروبية الأخيرة، ليقول إن المسؤولين في واشنطن، ومنذ إنزال النورماندي في 6 حزيران 1944، يتعاملون مع القارة العجوز كما لو أنها "حظيرة للخيول الأميركية".
حدث في فيتنام أن ساعدوا الفيتكونغ على طرد الفرنسيين من هناك (معركة ديان بيان فو) ليحلوا محلهم، وحين جرّوا القوات الأطلسية إلى أفغانستان، قرروا الخروج منها دون أن يبلغوا هذه القوات بالموعد، ما جعلها تضيع بين اللحى المسننة، والنظرات المسننة، لرجال "طالبان". لكن "الصدمة القاتلة" كانت في ما دعته "دير شبيغل" الألمانية "الخيانة الأميركية"، بترك أوكرانيا "بين براثن القيصر".
ولكن ألم تستنزف الحرب الأوكرانية اقتصاد القارة؟ ألمانيا بالذات التي كانت بمثابة القاطرة للاقتصاد الأوروبي، تواجه أزمة اقتصادية عاصفة. لا أحد من القياصرة فكر بالوصول إلى برلين أو إلى باريس. الأمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت قاد خيوله إلى موسكو، ليسقط بين الثلوج. الفوهرر الألماني أدولف هتلر توجه بدباباته إلى موسكو ليسقط بين النيران.
الآن فولوديمير زيلينسكي يشعر أنه داخل القفص. ترامب يريد تقديمه كهدية إلى بوتين. بلغة فظة ترد قناة "فوكس نيوز" على انتقادات الرئيس الأوكراني "حين يزمجر الأسد لا أحد يكترث بمواء القطط". ما يعني الرئيس الأميركي، بالرؤية الجيوستراتيجية الضبابية، والذي يصف سلفه جو بايدن بأنه يمثل "أرقى أنواع الغباء"، الاستيلاء على المعادن النادرة، كالليثيوم، والتيتانيوم، والغرافيت، والتي تضج بها الأرض الأوكرانية.
هنا يأتي كلام الفيلسوف اليهودي الأميركي نورمان فلنكشتاين لترامب "لا يكفي أن تلقي برأس زيلينسكي في سلة القمامة. عليك أن تلقي أيضاً برأس نتنياهو لأنه يلعب في الخاصرة الأميركية كما الجراذين الضالة...". صاحب "صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية" لاحظ أن ما من رئيس أميركي حاول أن يفهم الشرق الأوسط. بعض الرؤساء حاولوا حل الأحجيات التي عاد بها الرحالة بالقول إن الشرق الأوسط يعاني حينًا من فائض في التاريخ، وحينًا من فائض في الأيديولوجيا. لكنه، واقعًا، يعاني من "فائض الآلام". بعدما أنيطت بإسرائيل تلك المهمة الأخطبوطية باستنزاف الأزمنة، وباستنزاف الأجيال، هناك.
فلنكشتاين حذر من أن "تكون نهاية إمبراطوريتنا هناك مثل نهاية الإمبراطوريات الأخرى. الكل يكرهوننا، وهم ينتظرون ساعة رحيلنا لكي يودعونا بالحجارة".
دعوة إلى الرئيس الأميركي بأن يحتسب خطواته بدقة. غزة ليست مجرد أرض مقفرة، كما كانت السهوب الأميركية أيام زمان، ويمكن تحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط. التاريخ هناك موجود في كل حفنة ترامب. "بعد صناعة القبور صناعة الشاليهات. كما لو أننا نوقظ الموتى ليلاحقونا إلى الأبد".
الآن، وفي ضوء محادثات الرياض حول أوكرانيا، قمة وشيكة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين. الرأس الثالث سيكون عربيًا ويدرك كم أن فلسطين تستوطن اللاوعي العربي العام. كان نزار قباني يقول "أنا من الجيل الذي يتنشق فلسطين مع الهواء، وربما قبل الهواء". الأمير محمد بن سلمان قال "لا تطبيع قبل الدولة الفلسطينية".
باللغة التوراتية إياها التي تكشف مكان الذئب في شخصية بنيامين نتنياهو، كان الرد "دولة فلسطينية على الأرض السعودية". كان هناك من يذكّر الرجل بأن تيودور هرتزل فكر بدولة يهودية في أوغندا، وفي ليبيا، وحتى في أميركا الجنوبية، كدليل على أن إسرائيل ليست فقط ابنة الخرافة العبرية، بل، وأيضًا، موطئ قدم للأباطرة.
لا خطوات مجنونة، ولا استراتيجيات مجنونة، في الشرق الأوسط الذي يحذر المحلل الاستخباراتي غراهام فولر من "الانفجار الكبير" (Big Bang) فيه، بسبب القراءات العمياء لواقع تلك المنطقة التي شهدت ولادة الحضارات الكبرى، والميثولوجيات الكبرى، والأهم الديانات الكبرى، بعدما كان المستشرق البلجيكي هنري لامنس قد قال "هناك لا تحتاج إلى الكثير من العناء لكي تستشعر وقع أقدام الأنبياء وهو يتقاطع مع دقات قلبك"!
كان الروائي الإسرائيلي عاموس أوز يقول "لكأننا نختبئ في الخوف". الآن بدأ الإسرائيليون يخافون أكثر حين يشاهدون المقاتلين الفلسطينيين، ليسألوا بنيامين نتنياهو "هل تريد أن تقول لنا إنك فوجئت بهؤلاء يخرجون من قبورهم؟"
ليت دونالد ترامب يشاهد كيف كان يقاتل الفلسطينيون، ليعرف ما هي غزة، ومن هم أهل غزة. إيتامار بن غفير خائف من أن "يبيعنا الرئيس الأميركي، أثناء القمة، إلى السعوديين"!