د. رائد المصري - خاص الأفضل نيوز
من يعرف تفاصيل المداولات الخلفيّة التي جرت في المملكة العربية السعودية مؤخرًا حيال التوافق الروسي الأوكراني لإنهاء الحرب بموازاة الحوار بين موسكو وواشنطن، يدرك أنّ خارطة طريق رُسمت بعناية من الرياض مروراً بلندن وباريس وانتهاء بواشنطن، وهو ما أتاح إعادة عقارب الساعة إلى التوقيت الصحيح.
عاد الوصل بين الولايات المتحدة وأوكرانيا على أرض المملكة، فالتقى الوفدان الأميركي والأوكراني في جدّة، بعد أن ترك الرئيس الأوكراني وفده يجري المحادثات مستبقاً الأمر بمواقف جديدة مرحّبة بتوقيع اتّفاق مع الولايات المتحدة يتعلق المعادن النادرة، والتعامل بإيجابية مع مساعي واشنطن للسلم في بلاده، كما شجعت المملكة على الذهاب بهذا الاتّجاه.
إذن، فقد خرج اجتماع الرياض بموافقة أوكرانيا على مقترح أميركي بوقف فوريّ لإطلاق النار مدّته 30 يوماً على جبهات القتال مع روسيا، وموافقة الرئيس الروسي ما يعتبر إنجازاً في سبيل السلم العالمي يُسجّل للسعودية، وهذا ظهر وبدا في اتّصال وليّ العهد والرئيس الروسي، من أنّ السعودية تسعى إلى تبديد الشكوك وإزالة الشروط تتويجاً لجهد الوفود في الرياض أوّلاً وفي جدّة تالياً.
ولطالما كانت الرياض سباقة دومًا إلى تبنّي الحوار لمعالجة الملفّات العربية والدولية كذلك، أكان من خلال “اتّفاق بكين” الذي وقعته مع إيران، أو اقتراح التوسّط بين طهران وواشنطن، أو رعاية قمّة بين ترامب وبوتين تسبقها ورش عمل مكثفةٍ لخفض التصعيد، وصولاً إلى السلم الكامل اليوم في أوكرانيا.
واليوم في لبنان تتعثر رزنامة وبرنامج العمل الحكومي، إذ يواجه الرئيس نواف سلام ضغوطًا قوية بسبب العدوان والحدود الجنوبية التي تلتهب يومًا بعد يوم، بعد أن كان المتفق عليه، أن تضع حكومته
رزنامة عملها موضع التنفيذ، سواءٌ عبر إنجاز التعيينات العسكرية والأمنية أو الاستعداد لوضع آلية عملية للترشيحات والتعيينات في الإدارة، فبات الأمر يسير تحت وطأة تطورات غير مؤاتية، سواءٌ من الجنوب، حيث تمضي قوات الاحتلال باستفزاز العائدين إلى القرى الجنوبية أو ملء الأجواء بالمسيّرات والمحلّقات، وسائر أدوات الإرهاب، من دون أن تقوى اللجنة العسكرية الخماسية من ردع الاحتلال، أو وقف صلفه وتعدياته وتحدياته.
لكن تشكل الضغوط الجنوبية، المتأتية عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس وضربه عرض الحائط لمندرجات التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار، انطلاقاً من قاعدة قانونية دولية، هي القرار 1701، ثقلًا تدور معه مجريات الاشتباكات في سوريا، والتعثر الحاصل في ما خصّ التفاهمات الوطنية بعد ما حصل في الساحل السوري من مواجهات وتصفيات.
وفي السياق أوضحت مصادر سياسية في معلومات حصلت عليها "الأفضل نيوز"، أن ما طرحه وزراء القوات بشأن أهمية وجود رزنامة زمنية لسحب سلاح حزب الله لم يؤد إلى خرق التضامن الوزاري بأي شكل من الأشكال، ووضع جانبًا، موضحة إن ما هو مسلَّم به هو إقرار كبار المسؤولين في البلد أن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون بيد الدولة اللبنانية، أما بالنسبة إلى الجدول الزمني فالأمر يتطلب مقاربته بهدوء، مع العلم أن هناك إشكالية تتعلق بالموضوع، إذ أن عدم قدرة الجهات المعنية على نزع السلاح يفتح الباب أمام سيناريوهات قد يلجأ إليها العدو الإسرائيلي مستفيدًا من حال الانقسام العامودي في البلاد.
أما عملية إقرار آلية التعيينات الإدارية، فهي خطوة إصلاحية كبيرة وتنهي الشواغر في الإدارات، وقد شكلت ارتياحًا كبيرًا.
هذا وينتظر لبنان انطلاق بداية خطوات الإصلاحات من التعيينات لإصلاح الإدارة ومكافحة الفساد وصولًا إلى الإصلاح المالي والاقتصادي، حيث أكدت مصادر متابعة أن هذه الأمور هي مفتاح الدعم العربي والدولي للبنان، ويبدو أن هناك بطء ملاحظ في مسار الإصلاح، بينما المطلوب وضع ما أمكن تنفيذه على السكة سريعاً، إذ تشكل زيارات الرؤساء والوزراء إلى الخارج لطلب الدعم بارقة أمل، وهناك سعي دؤوب لتأتي بتلمس الدول الشقيقة والصديقة والمانحة خطوات إصلاحيّة سريعة، فوضع لبنان بعد الحرب وبطء تنشيط حركة الاقتصاد تستدعي السرعة لا التسرع طبعاً.
وأشارت مصادر حكومية إلى أن زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى المملكة العربية السعودية لتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية ستتم بعد عيد الفطر المبارك، أي إلى نحو ثلاثة أسابيع على الأقل، على أمل أن تكون الوزارات والجهات المختصة في البلدين قد أنجزت ملفات الاتفاقيات لتوقيعها، وقد يكون رئيس الجمهورية جوزيف عون على رأس الوفد ومعه سلام.
وأوضحت المصادر عينها أن الاتفاقات ومذكرات التفاهم جاهزة من العام 2019 لكنها توقفت بسبب الحراك الشعبي حينها، وبعضها بحاجة إلى إعادة ضبط وليس تعديل، وهذا ما يعمل عليه وزير الاقتصاد والمدير العام للوزارة، الذي بقي على تواصل مع السفير السعودي وليد بخاري، وهما بصدد إنهاء ملفات الاتفاقات والمذكرات خلال أسبوع لرفعها إلى مجلس الوزراء لأخذ الموافقة وتفويض الوزراء المختصين بتوقيعها، بعد أخذ آراء مجلس شورى الدولة وهيئة التشريع في وزارة العدل ومجلس الاستشارات في وزارة الخارجية في بعضها.
إذن، بدأ لبنان يسلك مسار الإصلاح بسرعة وليس بتسرع، مستفيدًا من الدعم العربي والدولي، مخففًا من شروط واشنطن على الداخل اللبناني لمنع الفتنة وإحداث انقسام أهلي، وذلك توازيًا مع مسار المملكة العربية السعودية في إرساء قواعد السلم والأمن في المنطقة... علّها بذلك تملك مفاتيح القدرة على بناء نظام إقليمي خال من الحروب والاقتتال.