طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
لا يعكس الإفراطُ في التفاؤل حول مواقف زيارة الموفد الأميركي توماس براك، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، حقيقة نتائج محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، فما عبّر عنه بدبلوماسيةٍ ناعمةٍ لا يختلف في مضمونه وجوهره عمّا كانت تبديه الموفدةُ السابقة مورغان أورتاغوس إزاء "حزب الله" وسلاحه وسائر القضايا اللبنانية المطروحة.
فهي اعتبرت أن لا حلّ إلا بإنهاء وجود الحزب، وأنّه يجب التخلّص منه، فيما رأى براك أن موضوع الحزب وسلاحه شأنٌ داخليّ، داعيًا اللبنانيين إلى معالجته فيما بينهم.
من الواضح أن اللغة الناعمة التي استخدمها براك هي التي بعثت التفاؤل لدى البعض، فيما الحقيقة أنّه أراد من خلالها تجنّب الحديث عن "طرحٍ خطير" عرضه على المسؤولين، ولم يقبَلوا به، فيما لم يقبل به"حزب الله" ورفضه جملةً وتفصيلًا. وقد أُبقيَ هذا الطرح طيَّ الكتمان الشديد، لأنه في حال الأخذ به، يمنح إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، ما عجزتا عن تحقيقه، ولا تزالان تسعيان إليه بواسطة الحرب. ولا بدّ لهذا الطرح أن يُكشَف بعد حين.
لكن، وإلى حين انكشافِ هذا الطرح، في الزمان والمكان اللذين يُحدّدهما المعنيّون به، فإنّ مخيّلة البعض ستبقى خصبةً توزّع التفسيرات لنتائج زيارة براك يمينًا ويسارًا، إلى أن يتبلورَ الردُّ الأميركي والإسرائيلي على محتوى الردّ اللبنانيّ على المقترحاتِ الأميركية التي كان براك قد نقلها إلى المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته الأولى للبنان، في خضمّ الحرب الأميركية – الإسرائيلية الأخيرة على إيران.
وفي هذه الأثناء، فإنّ الخرقَ الإسرائيليَّ المتماديَ لوقف إطلاق النار، وللقرار الأممي 1701، سيتواصل ويتصاعد، لكن من دون الوصول إلى حربٍ واسعة كالتي شُنّت في أيلول الماضي، وتوقّفت في 27 تشرين الثاني عند الاتفاق على وقف النار. ويتوقّع المعنيّون في هذا المجال حصولَ غاراتٍ جوّية على أهدافٍ محدّدة، ومحاولاتِ توغّلٍ برّي إلى بلدات حدوديّة جديدة، وإنزالاتٍ جويّةٍ في بعض المناطق المختارة، بحيث سيكون ذلك بمثابة رفع لمنسوب الضغط بالنار على "حزب الله" لكي يقبل بنزع سلاحه. لكنّ هذا لا يعني أن الحزبَ سيبقى صامتًا، بل سينتقل إلى مرحلةٍ جديدةٍ في العمل المقاوِم، بما يتناسب مع طبيعة الوضع الذي ستفرضه الضغوطُ العسكريةُ الإسرائيلية عليه.
وتقول أوساطٌ مطّلعة على خلفيّات ما يجري، إنّ المعنيّين، حين اطّلعوا على الطرح الأميركي الذي اعتبروه خطيرًا، رفضوه فورًا، لأن من شأنه أن يتسبب بانقسامٍ داخليٍّ لبنانيٍّ حاد جدًّا، إلى درجةٍ اعتبر معها هؤلاء أن الاستمرار في التعايش مع الوضع القائم حاليًّا يبقى أقلَّ سوءًا من القبول بذلك الطرح، خصوصًا في ظلّ غياب أيّ ضماناتٍ بعدم استمرار إسرائيل في اعتداءاتها، في حال القبول به.
وفي السياق نفسه، وارتباطًا بهذا الطرح الخطير، تبيّن للمعنيّين وجودُ مشروعٍ إقليميٍّ غربيٍّ خلفه، يهدف إلى استهداف "حزب الله"، وتشكّل السلطةُ السوريةُ الجديدة رأسَ الحربة فيه، ويكون مؤداه إن نجح وضع لبنان تحت وصاية سورية جديدة، للضغط على الحزب أو تقويضه عسكريًّا، وتحويله إلى حزبٍ سياسيٍّ صرف. وقد عكس براك جانبًا من هذا المشروع الإقليمي – الغربي، حين قال إنّ "حزب الله" هو حزبٌ سياسيٌّ كبير في لبنان، وإنّ معالجةَ موضوع سلاحه تقع على عاتق اللبنانيين، لأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لن يتدخّلوا في هذا الأمر.
وكان من الواضح في كلام براك، أن الولايات المتحدة لم تُعطِ إسرائيلَ ضماناتٍ أمنيّةً تتيح لها الالتزام بوقف إطلاق النار، أن غايته التأكيد على أن بلاده لا تتحمّل مسؤوليّة ما تقوم به إسرائيل منذ اتفاق وقف النار.
بمعنًى آخر، أراد براك أن يقول إنّ الولايات المتحدة الأميركية تحاول إيجاد الحلول ومنع التصعيد، لكنّ اتفاق وقف إطلاق النار لم ينجح، وينبغي الذهاب إلى اتفاقٍ جديد. وفي هذا الموقف محاولةٌ لردّ الاتهام عن بلاده بأنها تغطّي أو تدعم ما تقوم به إسرائيل.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن ترفع إسرائيل منسوب التصعيد قبيل وصوله إلى لبنان، من خلال استهدافاتٍ جوّيةٍ نوعيّة ومشفَّرة، طاولت منطقةَ خلدة المتاخمة لبيروت وضاحيتِها الجنوبية، ومنطقةَ الشمال، وتحديدًا بلدة العيرونية الزغرتاوية القريبة من طرابلس. الأمر الذي اعتبرته الأوساط غير بريئ لا من حيث الغايات، ولا من حيث الأمكنة، التي طاولها، وقد يكون من هذه الرسائل الضغط على السلطة اللبنانيّة للقبول بالطرح الأميركيّ الخطير، المنسَّق مسبقًا معها، والهادف – على ما يبدو – إلى فرضِ تدويلِ الأزمة اللبنانيّة سياسيًّا وعسكريًّا.