ليديا أبودرغم – خاصّ الأفضل نيوز
يعود الاهتمام الأميركي – الروسي بسورية إلى الجغرافيا السورية كونها كانت ولاتزال منطقة نفوذ أساسيّة ومجال اهتمام كبير، في منطقة الشرق الأوسط وفي الصراع العربي الإسرائيلي.
فالأزمة السورية التي مازالت تتفاعل حتى هذه الساعة، وتجذب إليها عيون سكان المنطقة برمتها والعالم، سوف تساهم في تغيير الأنظمة السياسيّة ورسم خريطة طريق جديدة للمنطقة تتجاوب مع الأهداف المعلنة وغير المعلنة للصراع في الشرق الأوسط، ما دفع أميركا وروسيا للسعي إلى تحقيق أهداف استراتيجية في منطقة تمثّل أهمية سياسية اقتصاديّة تتمثّل بالثروة النفطيّة والغازيّة -المحرّك الأساسي للسياسات الدولية الخارجية.
فالمصالح الاستراتيجيّة لكل من الولايات المتحدة وروسيا تتقاطع في بعض المجالات، وتختلف في مجالات أخرى، لكن القاسم المشترك بينهما أنَّ القوتين حريصتان جدًّا على أن يكون لهما نفوذ قوي في هذه الدولة، ذات الموقع المميّز والاستراتيجي، بهدف تعزيز مركزيهما الإقليميين، وتحويل موازين القوى لصالح كل منهما.
فسوريا بالنسبة إلى روسيا، هي واحدة من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط، وحجر الزاوية للأمن فيها، وبالتالي فإنَّ أي زعزعة لاستقرارها سيؤدي إلى عواقب وخيمة وفوضى حتميّة ليس فيها وحسب، بل سيمتّد إلى المنطقة بأسرها وسيشكّل تهديدًا حقيقيًّا للأمن الإقليمي ككل.
أما بالنسبة للميزان الأميركي، تساوي الجغرافيا السورية في الأهمية الجغرافيا الأوكرانية، فكلاهما يشكِّلان مفتاح سر السيطرة على أوروبا والشرق الأوسط وبطبيعة الحال دول غرب آسيا، وبالتالي استمرار إطلاق اليد الإسرائيلية بما يؤمن مصالح واشنطن في المنطقة.
كما تمثّل سوريا عقدة مواصلات أساسية، فهي جارة العراق الذي يربط سوريا وإيران من جهة، ويمثل امتداداً إقليمياً للمقاومة في المنطقة من جهة أخرى. كما تحاذي لبنان الذي يطل على جبهة أساسية مع العدو ويُعدّ محوراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية، إضافة إلى الأردن الذي يُعد حليفاً للولايات المتحدة ويرتبط بحدود مع الضفة الغربية المحتلة. كما تُعتبر سوريا حاجزاً جغرافياً أمام تركيا العضو في الناتو.
وجدت الولايات المتحدة الأميركية في سقوط النظام في سوريا فرصة ذهبية لإعادة تشكيل خريطة العلاقات السياسية في الشرق الأوسط، لضمان هيمنتها على هذه البقعة الجغرافية من العالم، وقطع الطريق أمام خصومها الدوليين (الصين وروسيا) في الاستفادة من الإطلالة على البحر المتوسط، واستخدام سوريا كمحور للتجارة الدولية القادمة من شرق آسيا إلى أوروبا، خاصة وأن سوريا ليست بعيدة عن "الممر الهندي" المدعوم أميركياً بوجه الصين، الذي يهدف لنقل السلع من الهند إلى أوروبا عبر الكيان الإسرائيلي، مروراً بالإمارات والسعودية والأردن، من خلال بناء شبكة مواصلات وسكك حديد.
لذكك انفردت أميركا وروسيا بالملف السوري متجاهلين أوروبا، فأجرتا اجتماعات مكثفة ومغلقة بين الجانب الروسي والأميركي في الأمم المتحدة للتوافق على صيغة موحّدة للملف السوري، والذي يتضمّن كيفية التعامل مع الفصائل الإرهابية وطريقة الحكم في سوريا.
سقوط سورية الأسد وسيطرة التكفيريين على القرار السوري إذا لم تتداركه الدول المناهضة لواشنطن وبالأخص روسيا والصين، قد يؤدي إلى تقويض أي محاولة لعالم متعدد الأقطاب.