طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
عن إيران أيضا وأيضا... يبدو أن موعد الضربة الأميركية ـ الإسرائيلية المزمعة ضدها بدأ يقترب يومًا بعد يوم خصوصًا وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأ يلوح بها علنًا ومباشرة وبلا مواربة
والرسالة الأخيرة التي وجهها إلى إيران عبر دولة الإمارات العربية المتحدة لن تكون إلا ذريعة تمهد لتلك الضربة لأنه يدرك أن إيران لا يمكنها أن تسلم بكل ما يطلبه في هذه الرسالة، خصوصًا وأنه يمس بوجودها ودورها ومستقبلها في المنطقة.
وتكشف مصادر ديبلوماسية لموقع "الأفصل نيوز" أن رسالة ترامب ما تزال قيد الدرس على النطاق الضيق في مركز القرار الإيراني والأساس فيها أنها تطالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم ووقف دعم كل حركات المقاومة ضد إسرائيل في المنطقة والالتفات الى الوضع الداخلي الإيراني. وفي رأي القيادة الإيرانية، حسب المصادر الديبلوماسية نفسها، أنه خلافًا لما تعلن واشنطن فإن المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي قد هزم في المنطقة لكن الأميركيين والإسرائيليين يكابرون ويريدون التفاوض مع إيران على أساس أنهم منتصرون. ولذلك فإن المرحلة المقبلة لديهم هي أحداث معركة داخل إيران لاعتقادهم أن إيران بمجرد أن تتخلى عن النفوذ والدور الإقليميين تتفجر من الداخل وهذا هو رهانهم.
وتضيف المصادر أن التوجه الإيراني إزاء رسالة ترامب ما زال غير واضح ويتجاذبه خياران:
ـ الأول، إعداد الرد متضمنا الموقف الإيراني وثوابته وتسليمه إلى واشنطن بالطريقة نفسها عبر دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي رمي الكرة في الملعب الأميركي.
ـ الثاني، عدم الرد واعتبار الموقف الذي عبر عنه المرشد الأعلى السيد علي خامنئي قبل وصول الرسالة هو الرد الشافي والوافي حيث اعتبر أن التفاوض مع واشنطن غير مجد لأنها غير صادقة.
وفي هذا السياق تؤكد المصادر الديبلوماسية أن رد إيران على أي اعتداء تتعرض له هو "رد حتمي وقاطع وأن المتضرر منه سيكون الطرف الآخر".
في هذه الأثناء وتحضيرًا للضربة ضد إيران فإن ما تقوم به واشنطن وتل أبيب من اعتداءات في لبنان وفي الضفة الغربية وقطاع غزة وفي سوريا واليمن إنما الغاية منه منع أي طرف من أطراف محور المقاومة من التدخل نصرة لإيران عند الهجوم عليه. ومن هذه الاعتداءات ـ التهديدات: لبنانيًا هو ما تروج له بعض الفضائيات والتقارير الدبلوماسية عن أن ترامب حدد للسلطة اللبنانية مهلة شهرين لتجريد حزب الله من سلاحه تحت طائلة تكليف إسرائيل مجددا شن جولة جديدة من الحرب عليه. ويمنياً الغارات الأميركية ـ البريطانية ـ الإسرائيلية على حركة أنصار الله في اليمن حيث تحاول واشنطن ولندن وتل أبيب التعاطي مع هذه الحركة تمامًا على الطريقة نفسها التي تعاطت بها مع حزب الله الذي جردت حرب المدمرة عليه وما زالت مستمرة حتى الآن وإن بوتيرة أخف من خلال إبقاء يد إسرائيل طليقة ضده غير ملتزمة الاتفاق على وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 27 تشرين الثاني الماضي حيث أنها استغلت هذا الاتفاق لتحتل مجموعة بلدات وقرى حدودية جنوبية كانت عجزت عن احتلالها قبل وقف إطلاق النار فعملت بفعل ورقة "الضمانات الأميركية التي أعدت لها على تدمير كل معالم الحياة فيها وسوّت بيوتها بالأرض قبل أن تنسحب جزئيا منها لتبقى على احتلالها لمجموعة تلال تحوط بها منطقة عازلة؛ رافضة الانسحاب الكامل من لبنان التزاما للقرار 1701 الذي شكلت لجنة برئاسة أميركية للإشراف على تنفيذه تحولت صندوق شكوى من الخروق الإسرائيلية بدلا من أن تمنعها. فيما الطيران الإسرائيلي الحربي والمسير لا يغيب عن الأجواء اللبنانية ويستهدف مناطق يزعم أنها مراكز عسكرية لحزب الله ويغتال المسيّر منه كوادر عسكرية للمقاومة.
وفي السياق نفسه يؤكد دبلوماسي أن المستهدف الأول في هذه المرحلة هو إيران وإذا حصل هذا الاستهداف يصبح ما تبقى تفاصيل، ولذلك فإن كل الأنظار بدأت تنشدّ إلى طهران، حيث أن التقديرات الأميركية، أنه قبل الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان كان لدى المقاومة قوة صاروخية ثقيلة واستراتيجية تهددها يمكن أن تستخدمها ضدها وضد أميركا في حال شنتا حربا على إيران، ولكن التقديرات الأميركية ـ الإسرائيلية، هي أن المقاومة خسرت هذه القوة خلال الحرب وما بقي لديها من سلاح بات يشبه ما تمتلكه بقية الأحزاب اللبنانية وبات لا يشكل خطرًا على إسرائيل. ويتضح من كل هذا أن الهدف من الحرب الإسرائيلية على حزب الله كان القضاء على ما يملكه من قدرة صاروخية كبيرة واستراتيجية قبل مهاجمة إيران. ويقدِّر الأميركيون والإسرائيليون أنهم "تمكنوا" من تدمير هذه القدرة في الحرب الأخيرة وبالتالي لم يعد الحزب في رأيهم يشكل خطراً عسكرياً على إسرائيل، وها هم يحاولون الآن، مشاغلته من خلال ما يحصل على الحدود اللبنانية ـ السورية لمنعه من الانغماس في أي مواجهة ضد إسرائيل عند توجيه الضربة المزمعة ضد ايران.
ويذهب ديبلوماسيون إلى وصف ما تقوم به القوى السورية المسلحة على الحدود اللبنانية ـ السورية في موازاة استمرار الغارات الإسرائيلية على حزب الله، بأنه بمثابة سيف يسلط على رقبة المقاومة في أي لحظة، ولذلك فإن المقاومة تتجنب خوض أي مواجهة مباشرة مع القوى العسكرية السورية نتيجة لهذه الظروف. ولكن يبدو أن هذه الضغوط ستبقى دائمة ومستمرة لأن الغاية منها تعطيل أي خطر يمكن أن تشكله المقاومة ضد إسرائيل في الوقت الذي يستعد الأميركي والإسرائيلي لمهاجمة إيران.
ويقول الديبلوماسيون أيضا أنه نتيجة لهذا التقدير يتعاطى الأميركيون مع إيران بفوقية ويضغطون عليها للجلوس إلى طاولة المفاوضات والقبول بحل وفق شروطهم، الأمر الذي رفضته مؤكدة أنه إذا كان الهدف من الحوار هو إنهاء برنامجها النووي ومنعها من دعم شعوب المنطقة فإنها لا تريده على الإطلاق.
وفي تقدير هؤلاء الديبلوماسيين أن الجانب الأميركي لا يريد التفاوض على البرنامج النووي وقضايا المنطقة والنفوذ الإيراني فيه، وإنما يريد التفاوض على سحب أي إمكانية لتقدم إيران نوويًا حتى أنه يريد أن يسحب من يدها كل أوراق القوة، وهذا ما رفضه الإيرانيون مباشرة ولذلك قال المرشد خامنئي: "نحن لا نريد الحرب ولا نخاف من الحرب ولكن لن نقبل بالاعتداء علينا". فإيران مستعدة للمعركة ومن المؤكد أنها إذا استهدفت فإن كل أطراف محور المقاومة سيكونون معها في خندق واحد لأن المعركة واحدة والمصير واحد بالنسبة إليهم جميعا. إلا أن المصادر الديبلوماسية تقول أن الأوضاع ربما لا تصل إلى مواجهة بهذا الحجم لأن ترامب حسب التجربة معه يقول أحيانا الشيء ثم يفعل عكسه. وإن فعل الشيء الذي يهدد به فإنه يسارع في الوقت نفسه إلى تحريك أصحاب المساعي للتهدئة، لكن على رغم من كل هذا وبعد التجربة، لا يمكن التنبؤ بما يمكن لسيد البيت الأبيض أن يذهب إليه.