إسلام جحا - خاصّ الأفضل نيوز
لم يكن وسام يعلم أنَّ رحلته على طرقات لبنان ستنتهي به ضحيةً جديدةً في قائمة الضَّحايا، وأنه سيعود إلى ذويه في سورية محمولًا في تابوت ليلة عيد الفطر المبارك. وقبله، لقيَ غسان وعلي المصير ذاته على الطريق نفسه، وتحديدًا في بلدة "البيري البقاعيّة"، حيث شهدت المنطقة ثلاثة حوادث مميتة خلال أقلَّ من شهر، خلّفت ثلاث عائلاتٍ مفجوعةٍ وعددًا من الجرحى.
هذا الأوتوستراد السريع الذي يربط راشيّا بالمصنع شهد تصاعدًا ملحوظًا في حوادث السَّير، مما يسلِّط الضَّوء على أزمةٍ مروريةٍ تزداد تفاقمًا يومًا بعد يوم. فوفقًا لغرفة التحكم المروري، تمَّ التحقيق في خمسة حوادث خلال السّاعات الأربع والعشرين الماضية، أسفرت عن وفاة شخصٍ على طريق البيري وإصابة ثمانية آخرين. بينما كشفت "اليازا" عن أنَّ عدد ضحايا حوادث السَّير في الأسبوعين الأوَّلين من شهر آذار فقط بلغ 19 قتيلًا، و136 جريحًا، و118 حادثًا. كما أنَّ عدد ضحايا الحوادث لعام 2025 حتى النصف الأول من آذار بلغ 90 قتيلًا، ما يشير إلى استمرار ارتفاع نسبة الضّحايا.
أرقامٌ صادمةٌ
بحسب إحصاءات "الدَّوليَّة للمعلومات"، فقد ارتفع عدد الحوادث في لبنان إلى 2303 حوادث في العام 2023، أدّت إلى سقوط 439 قتيلًا وإصابة 2726 بجروح، مقارنةً بـ 2113 حادثًا في العام 2022، أدت إلى وقوع 359 قتيلًا و2366 جريحًا. تشكّل هذه الأرقام ما نسبته نحو 20 حادثًا لكلّ 100,000 نسمة، إذا ما افترضنا أن عدد سكان لبنان ستة ملايين نسمة، وقد تسبَّبت هذه الحوادث بسقوط ما نسبته نحو 6.5 قتيل لكل 100,000 نسمة.
وبالعودة إلى الفترة التي سبقت انتشار كوفيد - 19 وما تبعها من اعتماد لبنان سياسة "المجوز والمفرد"، نجد أنه في العام 2018 كان هناك 9 ضحايا في كل 100 حادث سير، ليرتفع الرقم إلى 16 ضحيةً في العام 2022 و19 ضحيةً في العام 2023.
وخلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2024، مقارنة بالفترة عينها من العام 2023، جاءت النسبة كالتالي:
ارتفاع في عدد حوادث السّير بنسبة 5.2%.
ارتفاع في عدد الجرحى بنسبة 1%.
تراجع في عدد الضحايا بنسبة 0.7%.
لبنان الأخطر عالميًا لقيادة السَّيارات
أثار تقريرٌ نشره حساب "World Index" على منصة "إكس" ضجةً واسعةً خلال السنتين الماضيتين بعد تصنيف لبنان في المركز الأوَّل كأخطر بلد في العالم لقيادة السَّيارات، متفوقًا على دولٍ مثل الأوروغواي وكولومبيا. ووفقًا لدراسة شركة "Global Positioning Specialists"، يعتمد هذا التصنيف على جودة الطرق، ومعدّلات الوفيات، وجرائم سرقة السَّيارات. وقد بلغ معدّل الوفيات في لبنان 22.6 لكل 100 ألف نسمة، في حين وصلت نسبة سرقة المركبات إلى 179 لكل 100 ألف نسمة، ما يعكس تدهور وضع الطرقات والخدمات المروريّة.
أسباب تفاقم الأزمة
إنَّ تزايد الحوادث القاتلة يعود إلى عوامل أبرزها: السّرعة الزائدة، ورداءة البنية التحتية للطرقات، وانعدام الإنارة وكثرة الحفر، وغياب الإشارات المرورية، فضلًا عن استخدام الهاتف أثناء القيادة، وتعب السّائقين، وغياب الصيانة الدورية للمركبات. إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من المركبات في لبنان تجاوز عمرها عشر سنوات، ما يتزامن مع عدم صيانة السّيارات بسبب توقف "النافعة" عن العمل لسنوات، ما يرفع من احتمالات تعرُّضها لأعطال قد تؤدي إلى حوادث كارثية.
الحلول المطلوبة
أمام هذا الواقع المأساوي، دعت "اليازا" وناشطون في مجال السّلامة المرورية السُّلطات اللبنانية إلى إعادة مراقبة قطاع المعاينة الميكانيكية وتنشيطه وفق أحدث المعايير الدولية، إضافةً إلى استئناف تنظيم امتحانات السوق لضمان تأهيل السَّائقين بشكل مناسب وأكثر جدّيّة، بالتزامن مع إطلاق حملات توعية مكثفة حول مخاطر القيادة المتهورة، وفرض قوانين سير صارمة، وتحسين جودة الطرقات، من أجل الحدِّ من النزيف المستمرِّ الذي يسببه إرهاب الطرقات.
إنّ استمرار نزيف الأرواح على طرقات لبنان، وخصوصًا في البقاع، يستدعي تحركًا عاجلًا من الجهات المعنية لوضع حدٍّ لهذه الكارثة المتفاقمة. ليبقى السُّؤال معلّقًا: هل ستتخذ الجهات المعنية إجراءاتٍ جذريةً قبل أن يتحوّل لبنان إلى مقبرةٍ مفتوحةٍ لضحايا حوادث السَّير؟