عبد الله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
بدأ الجيش اللبناني، على مراحل، تنفيذ خطة أمنية تطال عدداً من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، في خطوة تعكس تطوراً لافتاً في العلاقة المعقّدة بين الدولة اللبنانية والمخيمات، حيث تتقاطع اعتبارات الأمن مع خصوصيات القضية الفلسطينية والواقع الإنساني للاجئين.
المرحلة الأولى من الخطة بدأت في مخيم البداوي شمال لبنان، حيث أقفل الجيش اللبناني عدة مسالك فرعية كانت تُستخدم للتنقل بين المخيم ومحيطه دون أي رقابة أمنية رسمية. هذه المسالك، التي نشأت تدريجياً على مدى سنوات، شكّلت “منافذ خلفية” استخدمها الأهالي لقضاء حاجاتهم اليومية، لكنها في المقابل اعتُبرت من قبل الدولة ثغرات أمنية يمكن استغلالها من جهات خارجة عن القانون أو في حالات التوتر الأمني.
وتضمنت الإجراءات إقفال ما يُعرف بـ”زاروب أبو السويد” و”زاروب أبو الشهيد”، إلى جانب نقاط أخرى، حيث وُضعت حواجز مراقبة وانتشرت وحدات عسكرية في محيط المخيم. وفي موازاة ذلك، تولّت فصائل فلسطينية مسؤولية إعادة بناء جدران كانت قد هُدمت سابقاً، في سياق التنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية.
المصادر المتابعة للملف تشير إلى أن الخطة لم تكن وليدة اللحظة، بل تعود إلى ما يقارب العامين، حين توصلت المؤسسات الرسمية اللبنانية إلى تفاهم مع السلطة الوطنية الفلسطينية يقضي بإقفال تلك المسالك. وكان من المفترض أن يبدأ التنفيذ حينها، غير أن تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة دفع المعنيين إلى تأجيل التنفيذ، خشية تفسيره كخطوة ضد الفلسطينيين أو مساهمة في تضييق الخناق عليهم.
هذا التأجيل، رغم خلفيته السياسية، لم يُلغِ جوهر الخطة. إذ بقيت الدولة اللبنانية تعتبر أن معالجة الفلتان الأمني داخل المخيمات ومسالكها هو أولوية سيادية لا يمكن تجاهلها طويلاً، خصوصاً مع تكرار حوادث أمنية كان بعضها عابرًا للحدود.
رغم طمأنة الجيش بأن بدائل مناسبة ستُوفّر لتسهيل الحركة، إلا أن الإجراءات أثارت استياءً واسعاً في أوساط اللاجئين الفلسطينيين، خاصة داخل مخيم البداوي، حيث يعتمد كثيرون على المسالك الفرعية للوصول إلى مدارس، عيادات، وأماكن عمل.
هذا التوتر يعكس معضلة قائمة منذ عقود: كيف يمكن تحقيق الأمن وضبط الحدود في ظل غياب رؤية شاملة تحفظ في الوقت نفسه كرامة اللاجئين وحقوقهم الأساسية؟ فالإجراءات الأمنية، ولو كانت مبررة من زاوية الدولة، تبقى حساسة حين تطال مجتمعاً يشعر بالتهميش أصلاً، ويرى في أي إجراء أمني تهديداً إضافياً لوضعه الهش.
ما زاد من حدة التفاعل مع الخطة الأمنية، هو تزامنها مع قرار رسمي لبناني يقضي بسحب السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات وخارجها، وهو الملف الأكثر حساسية في العلاقات اللبنانية-الفلسطينية. فالقرار الذي أُبلغت به السلطة الفلسطينية، ويقضي بتسليم السلاح بالتنسيق مع الدولة اللبنانية، لم يُنفّذ بالكامل بعد، بسبب ما قيل إنها “ضرورات ترتبط بالظروف والآلية”.
وكان من المرتقب أن يزور الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بيروت لبحث هذا الملف، مع الإشارة إلى أنه تطرّق إليه خلال لقائه الرئيس جوزاف عون في القاهرة. غير أن تجدّد العدوان الإسرائيلي على غزة حال دون الزيارة.
توقيت تنفيذ الخطة الأمنية، بعد توجيه اتهامات لعناصر فلسطينية بإطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو إسرائيل، أضفى مزيداً من التعقيد، إذ رأت فيه بعض الفصائل محاولة للربط بين سحب السلاح والتطورات الإقليمية، ما جعلها تتوجس من دوافع الدولة اللبنانية وتطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإجراءات تمهّد لتصفية الوجود الفلسطيني المسلح تمهيداً لتسويات أوسع.
في المقابل، تنفي مصادر أمنية لبنانية واسعة الاطلاع وجود نية للتضييق على اللاجئين أو مساومتهم على حقوقهم مقابل تسليم السلاح، مؤكدة أن الفصائل الفلسطينية كانت على علم مسبق بالخطة وبالتفاهمات المرتبطة بها. وتشير إلى أن المرحلة الأولى من تنفيذ القرار المرتبط بسحب السلاح تمت بالتنسيق الكامل مع بعض الفصائل التي وافقت على تسليم نقاط ومواقع تعود إليها خارج المخيمات ، وأن ما يُنفّذ حالياً هو المرحلة الثانية، والتي تلقى اعتراضاً من فصائل تعتبر نفسها “خارج التفاهم”، وتحاول عرقلة التنفيذ من خلال التصعيد الإعلامي أو الأمني.