طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
دل التسريب الأمريكي الإسرائيلي عبر بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن قرار يقضي بإنهاء مهمة قوات "اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان لمناسبة اقتراب انتهاء ولايتها الممددة تكرارًا في آب المقبل، على أنه لا يعدو كونه تهديدًا وتهويلاً يدرك أصحابه أنه لن ينفذ، إذ سيمدد لهذه القوات كالعادة بقرار يتخذه مجلس الأمن الدولي على غرار كل سنة منذ نشرها بعد الاجتياح الإسرائيلي الأول لجنوب لبنان عام 1978.
ففي كل سنة وكلما اقترب موعد انتهاء ولاية "اليونيفيل" تثار ضجة إسرائيلية ـ أميركية ضغطا في اتجاه تعديل مهماتها تحت طائلة عدم التمديد لها وترك الحدود اللبنانية الجنوبية سائبة بلا رقيب أو حسيب دوليين، بل من دون وجود شاهد على ما ترتكبه إسرائيل من اعتداءات. وقد نجح هذا التهديد قبل سنتين بأن فرض تعزيز هذه القوات وجعل عديدها نحو 10,000 رجل ينتمون إلى نحو 40 دولة وأعطيت صلاحية تسيير دوريات الى أي مكان من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، ولكنها، مع ذلك، قليلا ما تحركت من دون هذا التنسيق.
والآن يحاول الإسرائيليون بدفع أميركي العمل على تعديل مهمة "اليونيفيل" عبر التهديد بإنهاء مهمتها آخذين في الاعتبار نتائج العدوان الإسرائيلي الذي تعرض له لبنان ولا يزال منذ أيلول العام الماضي وقبله حيث تلقت المقاومة خلاله ضربات موجعة لكنها لم تسقطها، بحيث أن تل أبيب وواشنطن تستمران في المحاولات لتحقيق الأهداف التي لم تتمكنا من تحقيقها كليا نتيجة هذا العدوان على الصعيدين العسكري والسياسي. فسياسيًا لم تتمكنا حتى الآن من إجبار لبنان على نزع سلاح المقاومة وفرض التطبيع عليه أو دفعه الى عقد معاهدة سلام مع إسرائيل. أما عسكريا فقد فشلتا في القضاء على حزب الله ومقاومته، ولكنهما تستمران في العدوان بدليل أن إسرائيل وبـ"ضمانات" وتغطية أميركيين تواصل اعتداءاتها ولم تلتزم وقف إطلاق النار منذ التوصل إليه بغية تحقيق هذا الهدف بإنهاء وجود حزب الله عسكريًا وحتى سياسيًا إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا.
لكن بعض الأوساط السياسية المعنية تؤكد أن مهمة قوات "اليونيفيل" باقية كما هي وبلا أي تعديلات جديدة لها وسيتم تمديد ولايتها لسنة كالعادة، لأن كل ما تسوق له واشنطن وتل أبيب من عدم تجديد لها أو لإنهاء خدماتها الغاية منه هي الضغط على لبنان للقبول بتعديل مهمة هذه القوات وتوسيع صلاحيتها لتصبح تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بما يجعلها قوة ردع لا قوة للمراقبة وحفظ السلام على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
وتقول هذه الأوساط أن قوات "اليونيفيل" لم تتمكن يومًا من منع أي اعتداء إسرائيلي على السيادة اللبنانية برًا وبحرًا وجوًا واقتصر عملها ولا يزال على تسجيل الخروقات الإسرائيلية لوقف النار كل يوم، ولم تقف أي يوم حائلا دون هذه الخروقات. وحتى ولو أنهِيت مهمتها فإن ذلك لن يغير أي شيء في الواقع على حدود لبنان الجنوبية التي تنتهك يوميًا منذ عام 1987 وحتى اليوم وأن الذريعة الأميركية ـ الإسرائيلية بأنها لم تقم بمهماتها كما يجب ولم تمنع المقاومة من تعزيز وجودها في المنطقة الحدودية هي ذريعة مردودة لأن ما قامت به المقاومة هو رد فعل للدفاع عن لبنان وجنوبه في مواجهة الاعتداءات المتكررة وليس تعطيلاً لمهمة "اليونيفيل" حسب ادعاءات تل أبيب واشنطن اللتين تريدان لها أن تكون في خدمة أمن إسرائيل والتغطية على اعتداءاتها وانتهاكاتها اليومية للسيادة اللبنانية بدليل أنها لم تتمكن قبل العدوان الأخير وبعده من سحب إسرائيل من النقاط 13 التي تعتدي فيها على الحدود الجنوبية اللبنانية من نقطة "B1 “ في الناقورة غربًا إلى مزارع شبع وتلال كفرشوبا شرقًا. فإسرائيل هي التي تحتل أراض للبنان الذي يقف في خط الدفاع والمقاومة لاستعادة هذه الأراضي، علمًا أنه في قوانين الحروب وعند حصول اتفاق على الفصل بين دولتين متحاربتين يتم إنشاء منطقة عازلة مشتركة من أراضيهما وليس على أراضي دولة واحدة منهما فقط مثلما هي حال لبنان مع إسرائيل، حيث أن قوات "اليونيفيل" منتشرة في الجانب اللبناني من الحدود فيما إسرائيل تقف على الطرف الآخر منها ولا وجود لقوات "اليونيفيل" فيها، بل أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاوزها واحتل أجزاءً من الأراضي اللبنانية خلال العدوان الأخير ويرفض الانسحاب منها حتى اليوم التزاما لما يقضي به اتفاق وقف النار والقرار الدولي ،1701 وهو يواصل عدوان اليومي على السيادة للبنانية في جنوب نهر الليطاني وشماله وصولا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت وعمق منطقة البقاع ولا تردعه لا "اليونيفيل" ولا لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الخماسية، ما يعني في نظر البعض أن وجود هذه القوات الدولية من عدمها لا يعني شيئا بالنسبة إلى إسرائيل.
أما قول البعض أن إنهاء مهمة اليونيفيل يخفي مشروعًا لشن حرب جديدة على لبنان فهو مجرد كلام لأن الحرب أصلا ما تزال مستمرة ولم تتوقف، فغاية تل أبيب واشنطن منها كانت وما تزال إنهاء وجود حزب الله لاعتقادهما أنه ما زال يمتلك سلاحًا ثقيلاً يهدد أمن إسرائيل في أي لحظة يقرر استخدامه وهو قد يفعل ذلك إن استمر الخرق الإسرائيلي لوقف النار والذي كان منه العدوان الأخير على الضاحية الجنوبية لبيروت الأسبوع الفائت الذي تم بتغطية أميركية واضحة اعترفت بها وزارة الخارجية الأميركية علنًا تحت عنوان "أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها". فيما كان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس يعلن معادلة جديدة للتعامل مع لبنان وهي أن "لا أمن لبيروت من دون أمن إسرائيل". ما يدل الى أن إسرائيل تتجه إلى شن مزيد من الغارات على العمق اللبناني كله، ناقلة المعركة من جنوب الليطاني الى شماله.