عماد مرمل - خاص الأفضل نيوز
نجحت إيران في امتصاص مفاعيل ضربة فجر الجمعة التي أدت إلى استشهاد عدد من قادة الحرس الثوري والقوات المسلحة والعلماء النوويين إضافة إلى ضرب منشآت نووية وقواعد عسكرية، وبالتالي تمكنت سريعًا من استعادة توازنها وترميم قوتها في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي يحظى بغطاء أميركي كامل يقترب من حدود الشراكة.
وتتمثل أهمية "الريمونتادا" العسكرية الإيرانية في كونها أفشلت المخطط الإسرائيلي الذي كان يفترض أن صدمة الضربة الأولى والاغتيالات الواسعة ستؤدي إلى إحداث فوضى في إيران وزعزعة النظام وصولًا إلى إسقاطه أو إخضاعه وجره إلى طاولة المفاوضات خانعًا، الأمر الذي لم يتحقق بعدما شعر الإيرانيون أنهم أمام تحد مصيري استفز كرامتهم وكبرياءهم، وأفضى إلى تماسك داخلي والتفاف كبير حول القيادة، على قاعدة أن التصدي للخطر الخارجي الوجودي يستدعي تجميد التناقصات الثانوية.
وهناك من يلفت إلى أن من عناصر القوة والمنعة غير المباشرة التي تملكها إيران هو أن جذورها ضاربة في التاريخ ولديها إرث حضاري هائل، ما صنع منها أمة صلبة ليس من السهل تطويعها، في حين أن الكيان الإسرائيلي مصطنع وهجين وطارئ على المنطقة وسكانه هم منتحلو صفة.
وبهذا المعنى، فإن مآلات المواجهة بين طهران وتل أبيب باتت تتوقف بدرجة كبيرة على من سيصرخ أولاً في معركة عض الأصابع وصراع الإرادات، وهذا بُعد حيوي ومؤثر في مسار الحرب لا يقل شأنًا عن العوامل العسكرية المحض، فيما تبدو طهران مصممة على التحمل وعدم الخضوع للضغوط النارية.
وربطًا بالفارق في التكوين "الجيني" بين المجتمعين الإيراني والإسرائيلي، يعتبر البعض أن طهران تبدو متفوقة في الجانب المعنوي وبالتالي هي تملك نفَسًا طويلاً في المواجهة وتستطيع التكيف مع متطلباتها وأثمانها مهما ارتفعت، في حين أن المستوطنين الإسرائيليين الذين وفدوا إلى أرض فلسطين باعتبارها الملاذ الآمن، قد لا يكونوا قادرين على تحمل استمرار الحرب وأكلافها لوقت طويل وضبط حياتهم حتى أجل غير مسمى على إيقاع صفارات الإنذار وبلاغات النزول إلى الملاجئ، خصوصًا أن الضربات الإيرانية هي من النوع القاسي والمؤلم الذي يترك آثارًا مدمرة في داخل الكيان.
ولعل زيارات الرئيس الإسرائيليِّ بنيامين نتنياهو ووزيري الحرب والأمن إلى أحد الأحياء المدمرة في تل أبيب لرفع معنويات المستوطنين إنما يعكس حجم الأثر الكبير الذي تركته الصواربخ الإيرانية البالستية في الجبهة الداخلية للعدو.
ولأن إيران تتصرف على أساس أن المواجهة قد تطول، فهي تتفادى كشف كل أوراقها من الأيام الأولى للحرب، ما يفسر الموجات المدروسة من الصواريخ التي تستهدف الكيان، متخذة المنحى التصاعدي المتدرج من دون حرق المراحل والمفاجآت، مع تنويع في تكتيات القصف الصاروخية لناحية الكم والنوع.
ويؤكد المطلعون بأن إيران لا تزال تحتفظ في جعبتها بأسلحة نوعية وصواريخ أكثر فتكًا لم تستخدمها بعد، تحسبًا لكل الاحتمالات وللفصول المقبلة من الحرب المفصلية التي تصر طهران على أن ترسم نهايتها.