نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
في خضمّ الزخم التشريعي الذي شهده مجلس النواب مؤخراً، كان من المنتظر أن يتمّ التصويت على اقتراح قانون يهدف إلى تنظيم الإعلانات الخاصة بالأدوية والمتمّمات الغذائية التي لا تستلزم وصفة طبية (المعروفة بأدوية الـOTC). إلا أن الاقتراح لم يُعتمد لعدم إدراجه ضمن جدول الأعمال الطارئ، ما أدى إلى إرجائه لمزيد من الدرس والتدقيق، ولا سيّما في ما يتعلّق بآليات المراقبة المسبقة على المحتوى الإعلاني، وتحديد الصلاحيات الموكلة إلى اللجان الفنية، سواء التابعة لنقابة صيادلة لبنان أو لوزارة الصحة.
وجاء هذا التأجيل أيضاً نتيجة الحاجة إلى تكييف الاقتراح مع أحكام قانون مزاولة مهنة الصيدلة (الرقم 367)، خصوصاً في ما يخص الإعلانات الطبية، تجنّباً لأي تضارب أو لبس قانوني. إذ إن الفقرة "ب" من المادة "37 "من القانون المعني، تحظر بشكل واضح الإعلانات التجارية الخاصة بالأعشاب الطبية والمستحضرات ذات الطابع العلاجي. وبناءً عليه، اقتُرح تعديل هذه الفقرة لإدراج استثناءات، من خلال إضافة عبارة تنص على أن "باستثناء المتممات الغذائية، وحليب الأطفال الذين تجاوزوا عمر السنة، والأدوية التي يمكن بيعها في الصيدليات من دون وصفة طبية (OTC)، يُمنع الإعلان التجاري عن الأعشاب الطبية وسائر المستحضرات ذات الصفة العلاجية".
ويهدف اقتراح القانون، في حال إقراره، إلى وضع إطار قانوني منظّم للإعلانات الخاصة بأدوية ومتمّمات الـOTC، بما يضمن الترويج لها ضمن سياق علمي ومهني، من خلال تقديم معلومات دقيقة وواضحة عن المنتج، بما في ذلك آثاره الجانبية إن وُجدت، على غرار التشريعات المعمول بها في العديد من الدول التي تسمح بهذا النوع من الإعلانات ضمن ضوابط صارمة. ليبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للبنان تنظيم إعلانات أدوية الـOTC والمتمّمات الغذائية بشكل فعّال يوازن بين حماية صحة المستهلك وضمان حرية السوق، في ظل تأجيل اقتراح القانون وتداخل التشريعات القائمة؟
تنظيم الإعلانات والبيع.. خطوة حاسمة لإنقاذ صحة اللبنانيين
وفي حديث مع نقيب صيادلة لبنان، الدكتور جو سلوم، يقول لـ "الأفضل نيوز"، إن "الهدف الأساسي من هذا القانون هو تنظيم عملية الإعلان عن الأدوية وضمان مرورها تحت رقابة الجهات المختصة بشكل صارم، وذلك حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين. فقد تم إعداد هذا القانون بعناية فائقة من قبل نقابة الصيادلة، وتمت مناقشته وتعديله في مجلس النواب، مع التأكيد على ضرورة أن تخضع جميع الإعلانات المتعلقة بالأدوية لموافقة الجهات الرقابية المختصة قبل بثها أو نشرها".
ويتابع: "من أبرز ما جاء في التعديلات التشريعية هو منع الإعلانات عن الأدوية ومنتجات المكملات الغذائية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك حظر بيعها عبر هذه المواقع. ويأتي هذا المنع بسبب كثرة المنتجات المزيفة والمقلدة التي تُروج وتُباع عبر الإنترنت، مما يشكل خطراً مباشراً على صحة المواطن اللبناني ويؤدي إلى تفشي أدوية غير آمنة أو غير فعالة".
وفي سياق متصل، يشرح سلّوم أنه "كما يهدف القانون إلى حصر بيع الأدوية حصرياً في الصيدليات المرخصة، وذلك لضمان توفر الدواء الأصلي والمراقب من قبل الجهات الصحية المختصة، ومنع تداول الأدوية المقلدة أو غير المعتمدة، هذا التنظيم يشكل حماية مهمة للمستهلك ويعزز الثقة في القطاع الصحي".
ويضيف: "نحن، في نقابة الصيادلة، نؤكد على أهمية إقرار هذا القانون كما هو مقدم، لأنه يحمل في طياته مصلحة المواطن اللبناني وصحته وسلامته، كما أنه يساهم في تنظيم سوق الأدوية ويحد من المخاطر الصحية الناجمة عن تداول أدوية مزورة أو غير مرخصة، ونأمل أن يتم تبني هذا القانون في أسرع وقت ممكن، لما فيه من خير وحماية للمواطن اللبناني ولكل ما يتعلق بالإعلان والبيع الرسمي للأدوية ومنتجات الصحة".
مَن المستفيد من استمرار الفوضى الإعلانية في قطاع الأدوية؟
وتحت هذا العنوان العريض، يرى سلّوم أنه "في الواقع، التجار الذين يبيعون الأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي هم من المستفيدين بشكل مباشر من الوضع الحالي. فعدم وجود تنظيم ورقابة صارمة على هذه الإعلانات يسمح لهم بالترويج وبيع الأدوية، بما في ذلك أدوية مزورة أو مكملات غير معتمدة، خارج الإطار القانوني الصحيح".
ويتابع: "القانون المقترح اليوم يهدف إلى حصر عملية بيع الأدوية حصرياً في الصيدليات المرخصة، وذلك لضمان جودة الأدوية وسلامتها، ولتوفير الحماية اللازمة للمواطن اللبناني. في الوقت نفسه، يُلزم القانون بأن تمر جميع الإعلانات الخاصة بالأدوية عبر مراكز رقابية مختصة مثل نقابة الصيادلة أو وزارة الصحة أو أي جهة رسمية أخرى مخولة بذلك".
وأمام كل تلك المعطيات، يعتبر سلّوم أن "المشكلة الأساسية التي نواجهها اليوم تكمن في انتشار الإعلانات غير المنظمة وغير الخاضعة لأي رقابة على منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل، مما يفتح الباب أمام تسويق منتجات طبية غير موثوقة أو مزورة. وهذا الأمر يشكل خطرًا كبيرًا على صحة المستهلكين، حيث لا يمكن التأكد من جودة هذه الأدوية أو سلامتها، مما قد يؤدي إلى أضرار صحية جسيمة".
لذلك، يشدد على أنه "من الضروري أن يُقر هذا القانون ويُنفذ بشكل فعال ليقضي على الفوضى في سوق الأدوية، ويضمن رقابة دقيقة على كل ما يُعلن ويُباع في هذا المجال، مما يحمي المواطنين ويعزز الثقة في المنظومة الصحية".
في غياب القانون... مَن يحمي صحة المواطن؟
في هذا الخصوص، يقول سلّوم إنه "إذا لم يُقر القانون، فإن الحماية ستظل ضعيفة جداً، والمواطن سيكون عرضة للمخاطر الصحية، وسط فوضى سوق الأدوية الإلكترونية، لأن الفراغ القانوني الحالي يُشكل ثغرة خطيرة في منظومة الرقابة على سوق الدواء، ويمنح المتربّصين والمتاجرين بصحة الناس هامشاً واسعاً للتحرك بحرية، بعيداً عن أي محاسبة أو رقابة فعلية. في ظل هذا الواقع، يتحول المواطن اللبناني إلى الحلقة الأضعف، معرضاً لشراء أدوية أو مكملات عبر الإنترنت قد تكون مزورة، منتهية الصلاحية، غير مسجلة في وزارة الصحة، أو تحتوي على مواد خطرة لم تُعلن في مكوناتها".