نوال أبو حيدر - خاص الأفضل نيوز
في خضم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان، وبينما يحاول المواطن التأقلم مع الارتفاع المتواصل في كلفة المعيشة، فوجئ الجميع بقرار فرض ضريبة جديدة على أسعار المحروقات، ما زاد من وطأة الضغوط اليومية على الناس.
هذا القرار الذي اتخذته الجهات الرسمية أثار موجة واسعة من الاستياء، لكونه أضيف إلى سلسلة من الإجراءات التي لم تراعِ الواقع المعيشي الصعب.
غير أن المفاجأة الأكبر جاءت لاحقًا، حين أعلن مجلس شورى الدولة إلغاء هذه الضريبة، معتمدًا في قراره على أسس قانونية واعتبارات تتعلق بمخالفة الأصول الدستورية.
هذا التطور فتح الباب أمام نقاش جديد حول شرعية بعض القرارات المالية التي تُتخذ في غياب رؤية إصلاحية واضحة، كما أعاد تسليط الضوء على دور القضاء الإداري كضمانة لحماية حقوق المواطنين في وجه الإجراءات الجائرة.
وأمام هذا الواقع، يطرح تساؤل جوهري حول مصير تأمين التمويل اللازم لتعويضات العسكريين التي كانت هذه الضريبة مخصصة لتغطيتها، وما إذا كان هذا الإلغاء سيؤثر على استقرار أسعار المحروقات أو يدفع نحو بدائل ضريبية أخرى قد تُثقل كاهل المواطنين بطرق مختلفة؟
إلغاء الضريبة... بين الإيجابيات والسلبيات!
من هذا المنطلق، يقول عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، لموقع "الأفضل نيوز" إنه "بعد صدور قرار إلغاء الضريبة التي فُرضت مؤخراً على أسعار المحروقات، من المؤكد أن المستهلك اللبناني هو أول المستفيدين من هذا الإجراء، إذ انخفض سعر صفيحة البنزين بنحو 100 ألف ليرة لبنانية، مما خفف ولو جزئياً من الأعباء المعيشية اليومية".
ويتابع: "لا سيما أنني كنت قد عبّرت سابقاً عن موقفي الرافض لفرض هذه الضريبة من الأساس، نظراً لتأثيرها المباشر على القدرة الشرائية للمواطن، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تطال مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والمعيشية.
فالضرائب المباشرة، خاصة تلك المفروضة على المواد الأساسية كالمحروقات، تُعد من أكثر أنواع الضرائب عبئاً على المواطن العادي، إذ إنها لا تميز بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، بل تطال جميع شرائح المجتمع، سواء الميسورة أو غير الميسورة، وتؤثر سلباً على قدراتهم الشرائية. إلى جانب ذلك، فإن أي زيادة على أسعار المحروقات لا تنحصر آثارها ضمن هذا القطاع فحسب، بل تمتد لتطال أسعار سائر السلع والخدمات، نتيجة ارتفاع كلفة النقل والإنتاج، ما يفاقم من التضخم ويثقل كاهل الأسر محدودة الدخل".
في سياق متصل، يعتبر البراكس أن "إلغاء الضريبة يُعد خطوة إيجابية وضرورية، ليس فقط لأنه يُخفف الضغط عن المواطن، بل لأنه يُعيد بعض التوازن إلى السوق، في ظل غياب سياسات اقتصادية عادلة وشاملة. غير أن الإلغاء المفاجئ للضريبة لم يخلُ من آثار سلبية على بعض الأطراف، وخصوصاً أصحاب محطات المحروقات، الذين كانوا قد اشتروا وفق التسعيرة السابقة التي تضمنت الضريبة، وسددوا قيمتها بناءً على هذه الأسعار. وبالتالي، فإنهم سيتكبدون خسائر مالية لأنهم سيضطرون إلى بيع الكميات المخزنة وفق جدول الأسعار الجديد الذي لا يتضمن الضريبة، ما يعني عملياً أنهم يبيعون بخسارة من جيوبهم الخاصة".
وأوضح أنه "كان من الأجدى، في هذا السياق، أن تقوم السلطة التنفيذية، وتحديداً وزارة الطاقة والمياه، بمنح مهلة زمنية قصيرة لأصحاب المحطات لتصريف الكميات بالأسعار القديمة، قبل تطبيق الجدول الجديد الخالي من الضريبة، تجنباً لأي ضرر مباشر عليهم".
أسعار النفط بين وفرة العرض وضعف الطلب
فيما يتعلق بأسعار المحروقات، وضمن سياق التقلّبات المرتبطة بالسياسة الأميركية، خصوصاً ما يصدر عن المسؤولين الأميركيين من تصريحات متضاربة بشأن الرسوم الجمركية، يقول البراكس: "نلاحظ حالة من التردد وعدم الاستقرار، فنشهد "هبة باردة وهبة ساخنة". هذا التخبّط ينعكس بشكل مباشر على الأسواق العالمية، التي باتت تشهد وفرة في المعروض من النفط ومشتقاته، مقابل تراجع واضح في حجم الطلب. ويعود هذا التراجع إلى تباطؤ النشاط الصناعي في معظم دول العالم، حيث يعاني النمو الاقتصادي من ضعف ملحوظ، مدفوعٍ بانخفاض القدرة الشرائية وتقلص الاستهلاك، وهو ما يُعتبر نتيجة مباشرة للسياسات الجمركية المتشددة والضغوط الاقتصادية المتصاعدة".
بناءً على هذه المعطيات، يرى أن "الأسعار العالمية للمحروقات تتجه عموماً نحو الانخفاض، نظراً لوفرة العرض مقابل تراجع الطلب. أما في لبنان، فمن المتوقّع أن تنخفض أسعار البنزين في الأيام المقبلة، تماشياً مع هذا الاتجاه العالمي، في حين قد تشهد أسعار المازوت بعض الارتفاعات الطفيفة نتيجة عوامل محلية أو لوجستية متصلة بسوق الاستيراد والتوزيع".
تمويل تعويضات العسكريين... ضرورة البدائل
وفيما يتعلق بمصير تمويل تعويضات العسكريين، يشدّد البراكس أنه "من الضروري التأكيد على أن هذه التعويضات لا يمكن المساس بها أو التراجع عنها، كونها تمثل حقوقاً مكتسبة ومُلزِمة للدولة تجاه من خدموا الوطن. لذا، يجب على الجهات المعنية البحث عن مصادر تمويل بديلة بعيداً عن فرض الضرائب المباشرة التي تُثقل كاهل المواطنين، خاصة الفئات غير الميسورة التي تعاني من تراجع القدرة الشرائية. وعلى الدولة أن تتحمل مسؤولية إيجاد حلول تمويلية مبتكرة ومستدامة، تضمن استمرارية هذه التعويضات دون تحميل المواطنين أعباء إضافية غير عادلة".
ويختم: "من هذا المنطلق، يُفضل أن تركز السياسات المالية على تحسين آليات الجباية وتعزيز كفاءة تحصيل الضرائب، مع توجيه الجهود لفرض ضرائب على السلع الكمالية والكماليات التي لا تمس الاحتياجات الأساسية للمواطنين، بدلاً من التركيز على الضرائب التي تطال الضروريات وتؤثر بشكل مباشر على الطبقات الأكثر هشاشة في المجتمع. هذا التوجه من شأنه أن يخفف من الضغط على الفئات الضعيفة، ويساهم في تحقيق عدالة ضريبية توازن بين احتياجات الدولة وحقوق المواطنين".