الياس المر_خاص الأفضل نيوز
منذ تأسيسها، اعتمدت إسرائيل على ربط أمنها الداخلي بالتوازنات الإقليمية، وجعلت من التدخلات العسكرية في محيطها القريب والبعيد وسيلة لتكريس مشروعها التوسعي. الغارة الأخيرة التي طالت الدوحة، وما سبقها من استهدافات متكررة للأراضي السورية، تندرج في هذا الإطار المعقّد حيث تسعى إسرائيل إلى رسم معادلات جديدة في المنطقة، وتوظيف خطاب “الأمن الخليجي” غطاءً لتبرير توسعها، وإفشال أي مسار تفاوضي يمكن أن يضع حداً لعدوانها على غزة.
الدوحة رسالة بالنار
الغارة الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة لم تكن مجرد عملية عسكرية عابرة، بل رسالة بالنار موجهة إلى الإقليم كله. فهي تسعى إلى القول إن يد إسرائيل طويلة، وأنها قادرة على الوصول إلى العمق الخليجي بذريعة محاربة نفوذ إيران أو مواجهة “الخطر المشترك”.
غزة في قلب المؤامرة
ما يجري في سوريا وقطر ولبنان ليس معزولاً عن مصير غزة. إسرائيل تدرك أن أي تسوية عادلة أو وقف لإطلاق النار سيقيد حريتها في الحركة. لذلك تعمل على إفشال المفاوضات الدائرة عبر إشعال جبهات أخرى وربطها بخطاب أمني إقليمي أوسع. الرسالة التي تبعثها تل أبيب واضحة: لن يكون هناك استقرار في غزة إلا وفق شروطها.
أمن الخليج ورقة ابتزاز
إسرائيل تحاول إقناع العواصم الخليجية أن أمنها الداخلي مرهون بقدرتها على توجيه الضربات في سوريا والعراق وحتى قطر. إنها معادلة ابتزاز سياسي وأمني تجعل من دول الخليج رهائن لخطاب “الأمن الإسرائيلي”، وتحوّل كل استهداف لسيادة دولة عربية إلى خطوة دفاعية في نظر الغرب.
إسرائيل الكبرى تطل برأسها
وراء الخطاب الأمني تختبئ الأطماع التوسعية الحقيقية. منذ اندلاع الأزمة السورية، لم تتوقف إسرائيل عن استهداف البنى التحتية والمواقع الاستراتيجية بهدف إنهاك الدولة السورية ومنعها من لعب دورها الإقليمي. الهدف النهائي هو إعادة إحياء مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يقوم على فرض حرية الحركة للجيش والاستخبارات عبر الحدود، وجعل إسرائيل المرجع الأول في رسم خرائط النفوذ.
شرق أوسط جديد بالقوة
بينما تطرح بعض القوى الدولية مشاريع إعادة الإعمار أو الاتفاقات الاقتصادية، تختار إسرائيل أن ترسم خرائط المنطقة بالصواريخ. إنها تريد شرقاً أوسط جديداً، ولكن بالقوة. وبهذا تسعى إلى فرض نفسها كلاعب لا غنى عنه في أي مشروع مستقبلي للمنطقة، مستندة إلى الغطاء الأميركي والدعم الغربي.
سوريا ساحة مستباحة
الغارات المتكررة على سوريا ليست مجرد ردع استباقي، بل سياسة ممنهجة لإبقاء الدولة السورية ضعيفة ومفتوحة أمام النفوذ الإسرائيلي. كل استهداف للبنية الدفاعية السورية يهدف إلى خلق فراغ استراتيجي يسمح لتل أبيب بالتحرك بحرية في المشرق.
الخليج أمام معضلة
هذا النهج يضع دول الخليج أمام مأزق حقيقي: إما القبول بالتغطية على الاعتداءات الإسرائيلية بما يضر بشرعيتها الداخلية والإقليمية، أو رفض الانخراط في هذا المخطط مع ما يترتب على ذلك من ضغوط أميركية وإسرائيلية هائلة. إنها معضلة تضع الأمن الخليجي رهينة للابتزاز.
المواجهة تقترب من الانفجار
إن استباحة إسرائيل لسوريا وربطها بأمن الخليج ليست سوى غطاء لمشروع توسعي قديم يتجدد اليوم وسط الانقسام الدولي والحروب المفتوحة في غزة ولبنان واليمن. استمرار هذه المعادلة يهدد بانفجار مواجهة إقليمية أوسع، خصوصاً أن روسيا وإيران والصين تراقب عن كثب محاولات إسرائيل للعب دور المهيمن الإقليمي، وقد تتحرك لتقييد اندفاعتها.
الغارة على الدوحة، مثلها مثل عشرات الاعتداءات على سوريا، تكشف أن إسرائيل لا تبحث عن أمنها بقدر ما تسعى إلى فرض أمنها على الآخرين. فالمعادلة التي تريد تل أبيب تكريسها تقوم على أن استقرار الخليج مرهون بيدها، وأن مستقبل غزة لا يُرسم إلا وفق شروطها، وأن سوريا يجب أن تبقى ساحة مستباحة. هذه السياسة لن تنتج شرقاً أوسط مزدهراً كما يُروّج، بل شرقاً أوسطاً يرزح تحت النار الإسرائيلية، عنوانه التوسع بالقوة وغياب العدالة.