نوال أبو حيدر - خاص الأفضل نيوز
في ظل مرحلة دقيقة تتسم بتحولات مالية ومصرفية متسارعة، إلى جانب محاولات إعادة هيكلة الإدارة ومؤسسات القطاع الخاص، تزداد المخاوف في الأوساط النقابية من اندلاع موجة جديدة من التحركات الشعبية. إذ يخشى المعنيون من أن تأتي هذه التغييرات على حساب الحقوق المكتسبة للعمال والموظفين، ما قد يدفع الشارع مجدداً إلى الواجهة، في وقت لا تزال فيه البلاد ترزح تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة. وبين متطلبات الإصلاح وضغط الشارع، يبرز تساؤل أساسي: هل تشكّل الإصلاحات المالية المرتقبة وخطة اللجنة الثلاثية فرصة حقيقية للخروج من الانهيار، أم أنها مرحلة انتقالية محفوفة بالمخاوف الاجتماعية والنقابية؟
انطلاقاً من هذا الطرح الأساسي، يقول الكاتب والخبير الاقتصادي الدكتور أنطوان فرح لموقع "الأفضل نيوز"، إن "ما يُعرف بالتحولات المالية والمصرفية ينبغي أن يكون تحولاً إيجابياً، نظراً لأننا نعيش أزمة مستمرة منذ ست سنوات من دون أي معالجة حقيقية حتى اليوم، لأن التعديلات التي أُدخلت على بعض القوانين، مثل قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة المصارف، بالإضافة إلى القانون المتعلّق بردّ الودائع إلى أصحاب الحقوق، والذي بات إقراره قريباً، تُشكّل بمجملها خطوة مهمة. وإذا اكتمل هذا المسار كما هو مرسوم، فإن التحول المالي سيكون إيجابياً إلى حدّ كبير، وسيُشكّل خارطة طريق للخروج من الانهيار العميق. حيث أن من الضروري أن تنعكس نتائج هذا التحول بشكل إيجابي على الاقتصاد عموماً، وعلى الطبقة العاملة وسائر المواطنين بشكل خاص".
وفي الإطار نفسه، يرى فرح أن "النقاشات الجارية بشأن الحل تتم داخل اللجنة الثلاثية المؤلفة من وزير المالية ياسين جابر، ووزير الاقتصاد عامر بساط، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد. وهذه اللجنة تُعدّ الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن صياغة خطة الخروج من الأزمة. وأعتقد أنها توصلت إلى صيغة الحل النهائي، واقترب موعد عرضه على مجلس الوزراء بهدف مناقشته وإقراره تمهيداً لتحويله إلى المجلس النيابي. وعليه، لا مبرر للمخاوف النقابية أو العمالية، إذ إن الحل إذا سلك المسار الصحيح، فسيكون من المؤكد أن أوضاع العاملين ستتجه نحو الأفضل".
من جهة موازية، يشرح فرح أن "القلق من احتمال استغلال التحركات الشعبية في الشارع يبقى قائماً بشكل دائم، خصوصاً في السياق اللبناني المعروف تاريخياً بتحويل العديد من التحركات المطلبية إلى أدوات تُستثمر سياسياً". ويشير إلى أن "التجارب السابقة أثبتت أن التحركات في الشارع، متى وُجد لها غطاء أو تحريك سياسي، تكون أكثر كثافة وفعالية، ما يعزز فرضية استخدامها لأهداف تتجاوز المطالب الاجتماعية والاقتصادية المحقة".
وانطلاقاً من هذا الواقع، يرى أن "التوقيت الحالي لا يبدو ملائماً لأي تحرك في الشارع، لأن البيئة السياسية مستعدة دائماً لاستغلال مثل هذه الأجواء، وهو ما قد يؤدي إلى حرف الأنظار عن المسار الإصلاحي الحقيقي. وبدلاً من الانجرار إلى تحركات قد تُوظف في غير مكانها، يدعو إلى الاستفادة من المناخ الإيجابي النسبي السائد حالياً، والعمل على دعم ومواكبة الخطة التي ترسمها الحكومة عبر اللجنة الثلاثية المعنية بالحل، مؤكداً أن هذه اللحظة تُعد فرصة تاريخية نادرة، بعد ست سنوات من الانهيار والتعطيل، إذ يبدو أن ملامح خطة جدّية بدأت تتبلور تمهيداً للخروج من الأزمة المالية، والعودة التدريجية إلى مسار اقتصادي سليم. وبالتالي، فإن دعم هذا المسار قد يكون أكثر نفعاً من أي تصعيد في الشارع، خاصة في حال التزمت الحكومة بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بشكل شفاف ومسؤول".
ختامًا، يقول فرح إنه "من الطبيعي أن تتابع نقابة موظفي المصارف عن كثب وبقلق كل ما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي ومعالجة الفجوة المالية، حتى لو كانت بوادر الحل تلوح في الأفق. فمع تقلص حجم الاقتصاد اللبناني بعد الانهيار، من المنطقي أن يصبح حجم القطاع المصرفي الذي سيُعاد هيكلته أصغر مما كان عليه قبل عام 2019، ما قد ينعكس أيضاً على الهيكل الوظيفي داخل هذا القطاع، معتبراً أنه ومع ذلك، تُظهر التجربة حتى الآن أن الأمور ما زالت تحت السيطرة، إذ تمَّ التعاطي مع هذا الملف، حتى في ذروة الأزمة، بقدر من العقلانية والهدوء، من دون الذهاب إلى خطوات دراماتيكية أو صِدامية تجاه الموظفين أو النقابات".