نبيه البرجي-خاصّ الأفضل نيوز
لا ندري ما إذا كان من الممكن أن نأخذ بسؤال وكالة بلومبرغ "من يخلع الآخر عن العرش (عرش داود أم عرش يهوذا ؟) ،
دونالد ترامب أم بنيامين نتنياهو؟" , كما لو أن الدولة العبرية لم تنشأ أساساً , وأنه بمعطف إيديولوجي رث لم يعد يليق بالقرن , من أجل خدمة المصالح الغربية , وقبل أن تجر الولايات المتحدة القارة العجوز وراءها منذ أن وضعت الحرب العالمية الثاتية أوزارها ...
لا شك أن الأولوية كانت لوقف النار , بعدما وصف المؤرخ الإسرائيلي سلومو ساند ما يحدث في غزة بـ"بالتراجيديا الأكثر هولاً في التاريخ" . هل قال يهوه بإعادة بناء الهيكل بجماجم العرب كما هو حلم ايتامار بن غغير الذي كان يدفع باتجاه إزالة أي أثر للفلسطينيين على أرض الميعاد . وقف النار رغبة الحكومات العربية والإسلامية التي تدرك مدى الجنون الدموي لإسرائيل التي من لا يعلم أنها حصان طروادة الأميركي وسط العالم العربي والعالم الإسلامي .
وزير الخارجية الباكستاني إسحق دار تقاطع , في كلامه , مع كلام موقع "أكسيوس" الأميركي في أن النقاط العشرين التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب لا تتوافق مع الصيغة التي قدمتها الدول العربية والإسلامية . ولكن ما البديل لوقف طوفان الدم في هذه الأيام السوداء ؟
النقطة المضيئة في هذا السياق أن تقف باكستان , البعيدة عن اللوثة الأمبراطورية , إلى جانب العرب , في الصراع الديبلوماسي مع إسرائيل مادام الصراع العسكري مستحيلاً بسبب السيطرة الأميركية المطلقة على المنطقة . لا التجربة الفيتنامية , ولا التجربة الأفغانية , ممكنة عندنا , وأن كان الأداء الأسطوري لمقاتلي غزة قد أذهل حتى البيت الأبيض .
لكن ما فاجأ الأميركيين , ويتجاوز بكثير الموقف الديبلوماسي , وقوف إسلام آباد نووياً إلى جانب المملكة العربية السعودية , بتأثيرها المعنوي والمادي , وبالصورة التي أثارت المعلقين في قناة "فوكس نيوز" الذين حذروا من احتمال التحول "الكارثي" عن الخط الأميركي في الشرق الأوسط . ولكن هل السياسة الاسبارطية للائتلاف اليميني تستند فقط إلى الترسانة النووية أم إلى الأرمادا الأميركية ؟
ترامب أعلن السلام في غزة , وقد بوشر بالخطوات الأولى لتنفيذه , سيشق الطريق أمام السلام الأبدي في الشرق الأوسط بإقفال أزمة قال إنها بدأت منذ 3000 عام , ما يعني أن الرئيس الأميركي يُقر , ضمناً , بالمقولة التوراتية حول "أرض الميعاد" , والحق الالهي لليهود فيها .
بديهي أن نسأل لماذا تلك الديناميكية الديبلوماسية الآن , وبعدما عمدت الولايات المتحدة إلى إبقاء الأزمة مفتوحة لعقود من أجل استنزاف الإمكانات العربية , ولإبقاء البلدان العربية بعيدة عن التفاعل مع مقتضيات القرن بالصورة التي تجعل من الستاتيكو الأميركي المدى الاستراتيجي لبلدان المنطقة ؟
ما يحصل , أميركياً , الآن وضع أسلاك شائكة حول المنطقة , وبالصورة التي لاتدع الروس (وأين الروس ؟) , أو للصينيين (وأين الصينيون ؟) من الاقتراب منها كمستودع للثروات النفطية والمعدينية , وكنقطة تقاطع فائقة الحساسية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا , ما دامت الولايات المتحدة تعتبر أن هذه القارات الثلاث تشكل محور الصراع حول قيادة الأزمنة وليس فقط قيادة القرن !
لا تحديد زمنياً لتطبيق البنود العشرين على الأرض , لا البقاء , كما هي العادة , على الورق , وقد بتنا على بيّنة كاملة من المراوغة الأميركية , والإسرائيلية , على السواء .
من يتابع تعليقات أهل اليمين في إسرائيل يستشعر , ويستقرئ , استحالة الوصول إلى البند العشرين من الخطة . غداً يخرج دونالد ترامب من البيت الأبيض , أما سارة , زوجة بنيامين نتنياهو , فهي على ثقة بأن الاسرائيليين يدركون أن خروج زوجها من السلطة , أو من البلاد , يعني احتراق إسرائيل . هكذا بالحرف الواحد .
شلومو ساند يعتقد أن الخطيئة التاريخية التي ارتكبها الائتلاف اليميني , والتي جعلت العالم يتجه إلى "الخط المعاكس" هو تحول اليهود من دور الضحية إلى دور الجلاد , حتى أن آفيفا تشومسكي لا تستبعد أن يكون بنيامين نتنياهو صورة طبق الأصل عن ادولف هتلر في التعامل مع "المسألة اليهودية" .
لانتصور أن أياً من ترامب ونتنياهو يريد أن يخلع الآخر عن عرشه , شخصيتان تتكاملان في الجنون . ولكن كما يحذر المؤرخ الأميركي جوليان زيليزر من الدوران الأميركي في الحلقة المقفلة , بسبب عدم فهم دونالد ترامب للعالم , يحذر جاك نيريا , الكاتب السياسي الإسرائيلي الذي ولد في وادي أبو جميل في بيروت , من حساسية المرحلة , وعدم تفهم التفاعلات التي تحدث في المنطقة من الدوران داخل الحلقة المقفلة .
طالما أن اليمين باق في السلطة , وهو باق , لن نرى إسرائيل في ردهة المغاوضات حول الدولة الفلسطينية , ولكن إلى أين يذهب الإسرائيليون حين يكون هناك بين أركان اللوبي اليهودي في الولايات من يرى أن إعلان نتنياهو حول مهمته "الروحية" إقامة إسرائيل الكبرى , وفي هذه الظروف العاصفة , كان بمثابة الصعود إلى الهاوية , وبعدما أظهرت الوقائع على الأرض عجز إسرائيلي , وعلى مدى عامين , في استيعاب حفنة من المقاتلين الفلسطينيين على أرض مثالية , لقيام الدبابات , والقاذفات , بدورها "لإبادة الأعداء" ...
ترامب لم يقدم خطة طوباوية , وقابلة للتنفيذ . لكنها الفرصة الأخيرة لانقاذ الدولة العبرية . موقع 972 الإسرائيلي قال , في تحليل لميرون رابوبورت , أن نتنياهو سقط مثخناً بالجراح , وكذلك إسرائيل , على أرض غزة "لتتهاوى كل أحلام الملك" !!