ميرنا صابر – خاص "الأفضل نيوز"
منذ بداية الأزمة المالية في لبنان، تحوّل المستثمر الفردي إلى باحث عن ملاذات تحفظ قيمة أمواله بعيداً عن النظام المصرفي المتهالك. بين الذهب والعقارات باتت المقارنة شبه يومية، فالأول يتمتع بمرونة عالية وسيولة لحظية، والثاني يمنح نوعاً من الاستقرار والقدرة على توليد عائد من الإيجارات.
قفز الذهب عالميًّا إلى مستويات قياسية في خريف 2025 متجاوزاً 4,000 دولار للأونصة، وهو رقم غير مسبوق يعكس هشاشة الاقتصاد الدولي وتزايد الطلب التحوّطي من البنوك المركزية. هذا الصعود انعكس مباشرة على المدّخر اللبناني، الذي وجد في شراء سبائك صغيرة أو ليرات ذهبية وسيلة آمنة للتحوّط بالدولار النقدي، خصوصاً في ظل غياب الثقة الكاملة بالقطاع المصرفي. في المقابل، شهد القطاع العقاري اللبناني انتعاشاً ملحوظاً خلال العامين الماضيين مع عودة الدوائر العقارية إلى العمل وتدفّق أموال الاغتراب. أرقام وزارة المال أظهرت أن عدد المعاملات العقارية في 2024 قفز بأكثر من 100% مقارنة بالعام الذي سبقه، فيما سجّلت القيمة الإجمالية للسوق نحو 3.7 مليارات دولار، مع تمركز واضح في بيروت والمناطق الساحلية.
الأسعار بدورها أظهرت تباينًا لافتًا: ففي وسط بيروت بقي المتر المربع يتراوح بين 5,000 و6,000 دولار، بينما يمكن العثور على شقق قديمة في رأس بيروت والأشرفية بأسعار بين 1,200 و1,500 دولار للمتر، أي أقل من نصف مستويات ما قبل 2019.
هذا التفاوت يتيح فرصًا للمستثمر القادر على ترميم العقار وتأجيره في مناطق ذات طلب عالٍ مثل السكن الطلابي أو الشقق الصغيرة المجهزة، حيث يمكن تحقيق عائد إجمالي يتراوح بين 3.5 و5% بالدولار النقدي، وهي نسبة مقبولة في سوق مأزوم.
أوضح الرئيس التنفيذي لشركة First Financial Markets نديم السبع، في تصريح خاص لـ"الأفضل نيوز"، أن "خيارات المستثمرين تتفاوت بين من يفضّل وضع أمواله في الذهب أو العقارات، وبين من يرى أن التنويع في السلة الاستثمارية، أي بين السيولة النقدية والعقارات والذهب أو حتى الفضة، هو النهج الأكثر أمانًا، وهو الخيار الذي أميل إليه شخصيًّا".
وأضاف السبع: "إن المشهد الاستثماري في لبنان ما زال يلفّه الغموض نتيجة غياب الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، الأمر الذي يدفع العديد من المستثمرين إلى التوجّه نحو العقارات، وهو ما يفسّر الارتفاع الملحوظ في أسعارها مؤخراً. ولا شك أن التدفقات المالية القادمة من الخارج أسهمت بدور أساسي في إعادة تنشيط السوق العقارية بشكل فعلي".
الخلاصة أن القرار لا يمكن أن يكون أبيض أو أسود: الذهب يمنح سيولة وتحوطًا فوريًّا، بينما العقار يؤمن عائدًا دوريًّا وملاذًا ملموسًا للأموال.
المستثمر الذكي في لبنان 2025 يحتاج إلى مزيج من الاثنين، مع مراقبة دائمة لحركة الأسعار وتوازن المخاطر، ومتابعة الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان والشرق الأوسط، لأن المعركة الحقيقية لم تعد بين "ذهب أو حجر"، بل في كيفية الموازنة بينهما لحماية المدخرات في اقتصاد بلا يقين.