طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
من المفارقات أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي انطلقت غداة عملية "طوفان الاقصى" في 7 تشرين الأول 2023 ، كانت بتشجيع الرئيس الاميركي السابق جو بايدن، وها هي تنتهي بتشجيع الرئيس دونالد ترامب الذي استكملها بعدم تقصيره هو الآخر بدعم إسرائيل في هذه الحرب منذ دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني الماضي.
فبعد ساعات من "الطوفان" هرول بايدن سريعا إلى إسرائيل متضامنا وداعما لها للثأر من حركة حماس وأخواتها قائلا قولته الشهيرة أنه ليس يهوديا وإنما صهيوني وإنه "إذا لم يكن هناك إسرائيل فيجب أن نوجدها من أجل يهود العالم". أما ترامب فكان يغازل تل ابيب خلال حملته الانتخابية قبل أن ينغمس في اجتماعات مع بايدن وإدارته في البيت الأبيض بعد انتخابه وقبيل أن يتسلم مقاليد الرئاسة من بايدن نفسه.
لقد صال ترامب وجال مع بينيامين نتنياهو في حروب في المنطقة منذ دخوله البيت الأبيض قبل 9 أشهر من غزة إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن وقطر وصولا إلى إيران، ليستقر به الأمر على خطته الحالية لوقف الحرب على قطاع غزة التي يجري تنفيذها، مشفوعة بإعلانه العزم على تحقيق "السلام في الشرق الأوسط" من دون أن يعلن أي مشروع واضح لهذا السلام وهل هو يستند إلى "صفقة القرن" و"اتفاقيات إبراهيم التطبيعية". لكنه نفسه يشير إلى أن الخطة الحالية التي يعمل عليها تختلف عن سابقاتها بتركيزها على الجوانب العملية أكثر من الرؤى السياسية الشاملة، إذ إنه يريد أن تحمل اسمه "إلى الأبد" مما يشير إلى أنه يسعى إلى إرث تاريخي.
على أن خطة ترامب لوقف الحرب في غزة تتكون من مراحل متعددة تبدأ بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ثم تنتقل إلى مراحل أكثر تعقيدًا مثل نزع سلاح حركة "حماس" وترتيبات الحكم في قطاع غزة.
وتشير أوساط ديبلوماسية إلى أن خطة ترامب لغزة هي أمام أربعة سيناريوهات محتملة تراوح بين النجاح الكامل والفشل الذريع. فالنجاح الكامل يتطلب :
ـ موافقة حركة "حماس" غير المشروطة على نزع سلاحها، والتخلي عن دورها الحاكم في غزة .
ـ التزام كامل لجميع الأطراف يؤدي لوقف النار وإطلاق الأسرى، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة ونشر قوة دولية فيه والبدء بإعادة إعماره.
أما في حال الفشل والعودة إلى الحرب فسيكون ذلك لسببين:
-أولا، في حال رفضت حماس نزع سلاحها حيث إنها تعتبر السلاح جزءاً من هويتها وتصر على مشاركتها في أي ترتيبات سياسية مستقبلية، وهو ما ترفضه الخطة بشكل قاطع . وقد يؤدي الفشل إلى فتح جبهات جديدة مع حلفاء إيران مما يعقد المشهد ويؤخر أي عملية السلام. إذ عندها قد تمنح الولايات المتحدة الأميركية الضوء الأخضر لإسرائيل لاستئناف العمليات العسكرية بقوة.
ـ ثانيا، تصاعد التحفظات الداخلية الكبيرة السائدة في إسرائيل، خصوصا من أحزاب اليمين المتطرف التي ترفض أي انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة أو مشاركة للسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع.
طبيعة السلام
ولا تقارب خطة ترامب الحالية لغزة "صفقة القرن" السابقة بشكل مباشر، بل تقدم رؤية عملية أكثر تركيزاً على إنهاء الحرب وإدارة ما بعدها، مع وجود بعض أوجه التشابه مع "اتفاقيات إبراهام"، ومنها:
ـ الفارق عن "صفقة القرن": تخلت الخطة الحالية عن بعض العناصر الأكثر إثارة للجدل في "صفقة القرن"، مثل التلميحات إلى تهجير سكان غزة أو خطة "الريفيرا" . بدلاً من ذلك، تركز على وقف إطلاق النار الفوري، والجوانب الإنسانية، وترتيبات الحكم الانتقالي .
ـ التشابه مع "اتفاقيات إبراهيم": يرى محللون أن الخطة الناجحة قد تمهد الطريق لتوسيع دائرة التطبيع في المنطقة، حيث يمكن أن تؤدي إلى إبرام اتفاقيات سلام بين إسرائيل ودول مثل السعودية ولبنان وسوريا، مما يعزز تحالفاً إقليمياً يصنف إنجازاً دبلوماسياً كبيراً في سجل ترامب الرئاسي .
في المحصلة تقوم خطة ترامب الحالية على وقف الحرب الراهنة وإدارة تبعاتها من خلال تسوية عملية، مع تأجيل الحلول السياسية النهائية مثل قيام الدولة الفلسطينية. وعلى رغم من أن نجاحها قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من التطبيع، إلا أن طريقها محفوف بتحديات قد تعيد المنطقة إلى نقطة الصفر.