محمد شمس الدين - خاص الأفضل نيوز
أحدث خبر توقيف شركة مياه “تنورين” عن العمل وسحب منتجاتها من الأسواق صدمة في الأوساط اللبنانية، بعد صدور قرار رسمي عن وزارة الصحة يقضي بوقف إنتاج وتوزيع المياه المعبأة التابعة للشركة بسبب “تلوث بكتيري في العينات المفحوصة”. بعد التشكيك بالقرار اضطرت الوزارة إلى إصدار توضيح رسمي مدعوم بالوثائق المخبرية.
وأعلنت وزارة الصحة في بيانها أن وزير الزراعة نزار الهاني وقّع القرار بالوكالة عن وزير الصحة راكان ناصر الدين، نظراً لتواجد الأخير خارج البلاد، مؤكدة أن نتائج الفحوصات المخبرية التي أجريت على عينات من مياه “تنورين” أظهرت وجود بكتيريا غير مطابقة للمواصفات الصحية، ما استدعى اتخاذ القرار “حفاظاً على السلامة العامة”. كما أرفقت الوزارة صوراً من تقارير الفحص الصادرة عن مختبرات معتمدة لإثبات صحة الإجراءات.
وفي تحليل للبيانات الصادرة أوضح الباحث في البيئة المائية الدكتور كمال سليم في حديث لموقع "الأفضل نيوز" أن “الظاهرة ليست جديدة، إذ تكررت ثلاث مرات تقريباً خلال هذا العام، وفي كل مرة يجري الحديث عن تلوث أو خلل في المياه قبل أن تتبين نتائج الفحوصات الدقيقة”. وأضاف أن المشكلة الأساسية لا تكمن فقط في مصدر المياه، بل في ضعف الرقابة وجودة المختبرات، قائلاً:
“نحن لا نعلم بالضبط من أين تُسحب المياه، هل من النبع مباشرة أم من خزانات تتعرض للرطوبة. الرطوبة قد تؤدي إلى نمو بكتيريا أو فطريات، وحتى لو كان التلوث بسيطاً، فالمختبرات في لبنان لا تملك دائماً أنظمة دقيقة وثابتة للفحص، ما يجعل النتائج عرضة للتفاوت”.
وأشار سليم إلى أن “طريقة تعبئة المياه داخل القناني البلاستيكية تشكل خطراً إضافياً، إذ إن التعرض لأشعة الشمس أو سوء التخزين يؤدي إلى تغير في تركيبة المياه الكيميائية”، لافتاً إلى أن “الكثير من الشركات العاملة في هذا القطاع غير مرخصة أصلاً، وتبيع كميات من المياه مجهولة المصدر، وهو ما يشكل خطرًا صحيًّا حقيقيًّا على المواطنين”.
وتابع قائلًا:
“عند وجود بكتيريا في المياه يمكن أن تتكاثر بسرعة كبيرة، مما يهدد السلامة العامة. لذلك لا بد من اعتماد نظام رقابي فعال وفحوصات متكررة. ولا يمكن الاعتماد على نتيجة فحص واحدة، لأن العوامل البيئية مثل الحرارة والرطوبة قد تغير النتائج بين يوم وآخر”.
وأضاف أن “هذه الظواهر ليست محصورة بلبنان، فقد شهدت فرنسا مثلًا حادثة مشابهة، اضطرت الحكومة حينها إلى سحب كميات ضخمة من المياه المعبأة بعد اكتشاف تلوث بكتيري أثر على صحة المستهلكين”.
لكن ما يجعل الحادث اللبناني أكثر خطورة هو السياق الصحي العام، إذ تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت جودة المياه في لبنان قد تدهورت إلى حد يهدد الصحة العامة على نطاق واسع. فبحسب دراسة حديثة نُشرت في مجلة “لانسيت” العلمية ضمن برنامج Global Burden of Disease، سجل لبنان أعلى زيادة في معدلات الوفيات بالسرطان خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ ارتفعت النسبة من 65.2 إلى 117.3 وفاة لكل 100 ألف نسمة بين عامي 1990 و2023.
وبينما تربط بعض الأوساط الطبية هذه الزيادة بعوامل الوراثة والتدخين والتلوث الهوائي، لا يمكن تجاهل العامل البيئي المتعلق بالمياه، خصوصاً في بلد تغيب فيه الرقابة الصارمة على المصادر المائية وأنظمة التوزيع.
فإذا كانت المياه التي يشربها اللبنانيون اليوم ملوثة، كما توحي المؤشرات الرسمية الأخيرة، فماذا بقي من عناصر الأمان الصحي في بلد يعاني من الانهيار البيئي والمؤسساتي؟