ميرنا صابر – خاصّ الأفضل نيوز
فيما ينشغل الرأي العام اللبناني يومياً بتقلبات سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار الذهب، يترسّخ في الظل اقتصاد آخر لا يقل أهمية وهو الاقتصاد الموازي. اقتصاد نشأ من رحم الانهيار وغياب الدولة، ليغدو اليوم جزءاً أساسياً من دورة الحياة اليومية، بل وربما مهدداً لأي مسار إصلاحي مقبل.
تشير معلومات اقتصادية خاصة لـ"الأفضل نيوز" إلى أنّ حجم الاقتصاد الموازي بات يشكّل أكثر من 45% من الناتج المحلي الفعلي، وفق تقديرات باحثين اقتصاديين، مع توقعات بأن يتجاوز النصف مع نهاية 2025 إذا استمر غياب التنظيم. خلف هذه الأرقام تكمن قصص اجتماعية عميقة: من مؤسسات تجارية تعتمد حصراً على الدولار النقدي، إلى محالّ صغيرة تسعّر بالليرة وفق "سعر سري"، وصولاً إلى شباب وجدوا في التطبيقات الدولية والعملات الرقمية مصدر رزق بديل عن الوظائف التقليدية.
هذا الاقتصاد غير المنظّم أعاد رسم خريطة الاستهلاك اليومية: المخبز الذي لا يبيع إلا بالدولار، الصيدلية التي تحدّد أسعار أدوية أساسية وفق مزاج السوق، والمستشفى الذي لا يقبل إلا دفعات نقدية بالدولار الأميركي. ومع الوقت، تكرّس نمط جديد يُقسّم المجتمع إلى فئتين: فئة قادرة على الوصول إلى الدولار النقدي، وأخرى محكومة بمدخولها المتآكل بالليرة.
خبير اقتصادي رفيع المستوى أكّد في حديث خاص لـ"الأفضل نيوز" أنّ: "الاقتصاد الموازي في لبنان ليس ظاهرة جديدة، لكن خطورته تكمن في حجمه الحالي وتحوّله إلى منظومة قائمة بذاتها. ما نشهده اليوم هو انزلاق تدريجي نحو دولرة عشوائية تحرم الدولة من مواردها، وتضع المواطن تحت رحمة الأسواق غير المنضبطة".
وأضاف: "إذا لم يتم تنظيم هذا الاقتصاد أو دمجه تدريجياً ضمن الإطار الرسمي، سنشهد المزيد من الفوضى، حيث يصبح المواطن مضطراً للتعامل مع شبكات نقدية غير شفافة، وهذا يضعف العدالة الاجتماعية ويزيد الفجوة بين اللبنانيين".
ويطرح هذا الواقع سؤالاً محورياً: هل يشكّل الاقتصاد الموازي "شبكة إنقاذ" للبنانيين في زمن الانهيار، أم أنّه "فخ دائم" يعمّق الفوضى ويقضي على أي محاولة للنهوض المؤسساتي؟ ما هو واضح حتى اللحظة، أنّ اللبناني يعيش بين اقتصادين متوازيين، أحدهما رسمي عاجز، وآخر شعبي يفرض قواعده بقوة الأمر الواقع.

alafdal-news
