ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
تعيش الساحة اللبنانية مجدداً على إيقاع جدل سياسي ودستوري حاد، سببه هذه المرة تداعيات مبادرة وزير الخارجية والمغتربين جو رجي إلى إحالة مشروع قانون، إلى الحكومة، يقضي بتعديل بعض مواد قانون الانتخابات النيابية، بهدف تمكين المغتربين من الاقتراع وفق دوائر قيدهم الأصلية في لبنان بدلاً من حصرهم بستة مقاعد مخصصة كما نصّ القانون السابق.
فالخطوة التي فاجأت الأوساط السياسية من حيث توقيتها ومضمونها، وتزامنها و مجموعة مؤشرات، مع زيارة وفد من النواب الذين وقعوا العريضة النيابية إلى بعبدا وطلبهم من رئيس الجمهورية استعادة الحكومة للمبادرة في ظل "كربجة البرلمان"، مرورا بتبني عون لوجهة نظر المعارضة، وصولا إلى تراجع رئيس الحكومة عن اتفاقه مع رئيس المجلس، حول ترك ملف القانون بعهدة البرلمان، وضعت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على المحك، وأمام اختبار دقيق، دون إغفال هز التضامن الحكومي.
مصادر وزارية، أكدت أنّ رئيس الحكومة أجرى مشاورات مكثفة "عالرايق"، بدأها من بعبدا وعين التينة، خلال زيارته الأخيرة للمقرين، ويتابعها مع عدد من الوزراء والكتل السياسية المشاركة في الحكومة، محاولاً إيجاد توازن بين الالتزام بالنظام الداخلي لمجلس الوزراء وآليات عمل مجلس الوزراء، من جهة، وضرورة الحفاظ على الاستقرار الحكومي من جهة أخرى، خصوصا أن إدراج المشروع يعني عمليا إدخال الحكومة في مواجهة سياسية محتملة، فيما تأجيله قد يفسر كخضوع لضغوط الرافضين لأي تعديل انتخابي في هذا التوقيت، ما له تداعيات كبيرة، داخليا وخارجيا.
وتشير المصادر إلى أن الأمور كانت تسير في الاتجاه الصحيح، حيث تم الاتفاق على تسوية وسط تعتمد "الخيار الثالث" القائم على الموازنة بين طرفي الصراع، أي عدم رفض المشروع صراحة لكنه في الوقت نفسه لن يدرجه في الجلسة المقبلة، بل سيُحيله إلى لجنة وزارية أو إلى مزيد من التشاور قبل أي طرح رسمي، ما سيجنب الحكومة الاصطدام المباشر، ويحافظ على مساحة مناورة سياسية تتيح له لعب دور "الوسيط" بين طرفي الصراع.
غير أن الساعات الماضية، وبعد حديث "براك الانتخابي" وما تبعه من تغييرات في مواقف بعض الأطراف الداخلية، تراجعت السراي عن اتفاقها مع عين التينة، متخذة قرارا مفاجئا نسف التسوية التي عمل عليها، بعدما تقرر إدراج "مشروع رجي" على طاولة مجلس الوزراء، حيث تشير التقديرات إلى أن الأكثرية اللازمة لتمريره متوفرة.
وتتابع المصادر بأن هذا التطور، أيا كانت نتيجته، سيؤدي حتما إلى إشتعال الجبهة بين الرئاستين الثانية والثالثة وعودة التراشق بينهما، باعتبار قانون الانتخابات مسألة حياة أو موت بالنسبة للثنائي، وهو ما يدفع بالرئيس بري إلى أقصى درجات التشدد، رغم كلفة تعطيل البرلمان العالية، مراهنا على "تعب" المعارضين والمقاطعين.
أوساط معراب، صاحبة "الأرنب" الذي أعاد خلط الأوراق من خارج التوقعات، تشير إلى أن الحكومة ورئيسها أمام فرصة لإثبات القدرة على اتخاذ قرارات جريئة تتعلق بإصلاح النظام السياسي، بعد سلسلة النكسات التي تعرضت لها، مشيرة إلى أن إدراج المشروع لا يعني إقراره النهائي، بل مجرد فتح الباب أمام نقاش مؤسسي داخل الحكومة، ما يتيح لكل القوى السياسية إبداء ملاحظاتها في إطار دستوري منظم، في ظل "الكربجة البرلمانية".
وحول ما ستكون عليه المواقف في حال عدم تمريره، والخطوات التي ستتخذ، ألمحت المصادر إلى أن الرئيس سلام لم يكن بعيدا عن خطوة الوزير رجي، ذلك أن بعبدا والسراي، تؤيدان مضمون المشروع، من هنا فإن أبواب التواصل مفتوحة ومستمرة، مستبعدة الوصول إلى مرحلة مقاطعة الحكومة، على غرار ما يحصل في المجلس النيابي.
في الجهة المقابلة، تبدو التحفظات أكثر عمقاً، حيث يعتبر الثنائي وحلفاؤه، أن أي تعديل انتخابي قبل الانتخابات المقبلة يجب أن يمرّ عبر مجلس النواب بعد نقاش شامل في اللجان النيابية، وليس عبر "تهريبة حكومية" قد تفسر سياسيا لمصلحة طرف دون آخر، فضلا عن إدراج المشروع على جدول الأعمال دون اتفاق مسبق، يعرّض الحكومة لخطر الانقسام في لحظة دقيقة تحتاج فيها إلى التماسك لمعالجة الملفات الاقتصادية والمالية الملحّة.
أكيد أن القرار الذي اتخذه الرئيس سلام لم ولن يكون تقنياً فحسب، بل حمل دلالات سياسية عميقة تتجاوز النص القانوني إلى طبيعة التوازن داخل السلطة التنفيذية ومستقبل العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وداخل الترويكا نفسها.

alafdal-news



