د. أكرم حمدان - خاص الأفضل نيوز
يستوقفني دائماً وعند كل استحقاق مفصلي في البلاد، كيف أن القوى السياسية والحزبية وخصوصاً الممثلة في البرلمان، ترفع وتستخدم شعارات ترتبط بالدستور واحترام نصوصه وممارسة اللعبة الديموقراطية بكل ما لها وما عليها، عندما تكون نتائج تلك الممارسة لمصلحة هذه القوى والأطراف، وكيف أنها نفس القوى والأحزاب والكتل ُتعلن التمسك بالميثاقية وغير الميثاقية من شعارات كالديموقراطية التوافقية مثلا، عندما لا تكون النتائج لمصلحة هذه القوى.
أسباب هذا الكلام الحملة المركزة خلال هذه الفترة على رئيس مجلس النواب نبيه بري ودوره وصلاحياته، وهذه المرة من باب تعديل قانون الانتخاب، وكأن هذه القوى والأحزاب والكتل ليست هي من شارك في اجتماعات ماراتونية على مدى أشهر وسنوات قبل ولادة قانون الانتخاب القائم حالياً على قاعدة التوافق بين الجميع.
وقبل بعض التذكير والتفصيل حول الدور والصلاحيات لرئيس المجلس، أود التذكير بأنني لست مع هذا القانون"المسخ" الذي لا يعكس التمثيل الحقيقي لإرادة الناخبين، فالحسنة الوحيدة في هذا القانون هي اعتماد التمثيل النسبي وما عدا ذلك بحاجة لإعادة نظر، انطلاقاً من مبدأ ممارسة الديموقراطية الحقيقية التي تتطلب إلغاء البدعة الطائفية التي تحكم لبنان.
كذلك هنا لا بد من التذكير بأن ما سبق توافق القوى السياسية على قانون الانتخاب الحالي، أدى إلى التمديد للمجلس النيابي مرتين من العام 2009 حتى العام 2018 وبالتالي، فإن التجربة أو التجارب السابقة تقول بأن عدم التوافق على قانون الانتخاب ستكون نتيجته الحتمية تطيير الاستحقاق وتأجيله.
ولأن المجال لا يتسع للتذكير بسوابق كثيرة للنقاشات العقيمة التي ترفعها القوى السياسية قبيل أي استحقاق وخصوصاً الانتخابات، فإنني سأكتفي اليوم بالتذكير وعرض بعض صلاحيات رئيس البرلمان التي يعرفها النواب جيداً وإلا لا يستحقون هذا الدور والموقع.
سأبدأ من النص الدستوري كونه يسمو على ما عداه، فالمادة 43 من الدستور تقول بأن "للمجلس أن يضع نظامه الداخلي"، وتقول المادة 46 من الدستور أيضاً :"للمجلس،دون سواه، أن يحفظ النظام في داخله بواسطة رئيسه".
وتفصل المادة الخامسة من النظام الداخلي صلاحيات رئيس المجلس فتقول:"رئيس المجلس، يمثل المجلس ويتكلم باسمه، يرعى في المجلس أحكام الدستور والقانون والنظام الداخلي، يرأس الجلسات ويتولى الصلاحيات المنصوص عليها في هذا النظام، يحفظ الأمن داخل المجلس وفي حرمه، ويلفظ ويطبق العقوبات".
أما المادة 50 من النظام فتقول:"يتولى الرئيس المحافظة على النظام والأمن داخل المجلس ولا يجوز استدعاء أفراد قوى الأمن غير التابعة إلى شرطة المجلس النيابي إلى المجلس إلا بطلب منه. وهو الذي يطبق النظام الداخلي فيأذن بالكلام ويمنعه وفاقاً للنظام ويأمر بتدوين أقوال النواب في المحضر ويحذف أقوال من لم يأذن له منهم، ويوجه الأسئلة التي تقتضيها إدارة الجلسة ويعلن ما يصدره المجلس من مقررات وله حق الاشتراك بالتصويت كسائر النواب".
وتقول المادة 54 :"يعيّن الرئيس أو نائبه، عند تعذّر قيام الرئيس بمهامه، مواعيد الجلسات ويطبق جدول الأعمال ويضبط إدارة الجلسات ويدير المناقشات".
وتنص المادة 74 على الآتي:"للرئيس وحده حق مقاطعة الخطيب وذلك ضمن الحدود المعينة في هذا النظام".
كذلك فإن المادة 75 من النظام الداخلي تتحدث عن الحالات التي يحق فيها للرئيس منع الخطيب عن متابعة الكلام بدون قرار من المجلس وهي ثماني حالات كالتالي:
1- إذا تناول الكلام بدون إذن الرئاسة
2- إذا ذكر اسم رئيس الجمهورية بغير عنوانه الوارد في الدستور أو تعرّض له بما يمس الكرامة أو تناول مسؤوليته في غير ما نص عليه الدستور.
3- إذا تفوّه بعبارات نابية بحق أحزاب المجلس أو كتله أو أحد النواب أو اللجان.
4- إذا تعرّض لحياة الغير الخاصة.
5- إذا تعرّض لشخص أو لهيئة بالتحقير ما لم تكن أقواله مؤيدة بحكم قضائي مبرم.
6- إذا خرج في كلامه عن الموضوع الذي أذن له بالكلام فيه.
7- إذا تناول في كلامه وقائع قضية لا تزال قيد التحقيق أو النظر لدى القضاء.
8- إذا انتهت المدة الممنوحة له للكلام.
وفيما عدا هذه الحالات لا يمنع الخطيب عن الكلام إلا بقرار من المجلس.
ويذهب النظام الداخلي أبعد من ذلك ليمنح رئيس البرلمان صلاحيات ذات طابع قضائي، فالمادة 99 تقول:" إذا تمرّد نائب على نظام الجلسات أو نظام الكلام فيها، تتخذ بحقه إحدى العقوبات الآتية:
1- التنبيه للرجوع إلى النظام.
2- التنبيه مع تسجيله في محضر الجلسة.
3- اللوم مع تسجيله في محضر الجلسة.
4- الإخراج من الجلسة.
إن العقوبات الواردة في الفقرتين الأولى والثانية ينزلهما الرئيس، أما العقوبات الباقية فلا بد من استشارة هيئة مكتب المجلس بشأنها".
أما المادة 100 فتنص على الآتي:"إذا ارتكب النائب جرماً من نوع الجناية في مقر المجلس فعلى الرئيس أن يأمر بالقبض عليه وأن يحجزه في مكان معين ويسلمه للسلطة القضائية فور حضور من يمثلها.
أما إذا كان الجرم من نوع الجنحة فللرئيس إبلاغ السلطات المختصة باتخاذ التدابير القانونية".
وهنا سأكتفي بهذه المواد لأتوقف عند المادة 109 وهي بيت القصيد في كل ما يُحكى ويُثار من قبل المعارضين أو المعترضين على أداء رئيس المجلس، حيث تقول: "للرئيس طرح الاقتراح أو المشروع المعجل المكرر على المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تقديمه حتى ولو لم يدرج في جدول الأعمال".
وبما أن بعض القوى السياسية والكتل النيابية سبق وتقدمت باقتراح قانون معجّل مكرر لتعديل بعض مواد قانون الانتخاب بما يتناسب معها، ولم يُدرج رئيس المجلس هذا الاقتراح على جدول الجلسة التشريعية التي سبق وعقدت في 29 أيلول الماضي، فقد شُنت حملة شعواء ضد بري وما سماه البعض بالصلاحية الاستنسابية لرئيس المجلس وفق المادة 109 وتحديداً عبارة "للرئيس".
إن الخلاف السياسي والاختلاف في وجهات النظر أمر طبيعي ومطلوب، ولكن الإسقاط السياسي على النصوص الدستورية والقانونية أمر ليس محبباً، وبالتالي من لديه اعتراض على النص عليه أن يتقدم باقتراح تعديل، وهنا ربما من المفيد التذكير أيضاً بالمادة 65 من الدستور التي تتحدث عن الأمور التي تحتاج إلى تصويت الثلثين في مجلس الوزراء ومنها قانون الانتخاب.
فلنحترم النصوص والتوازنات بانتظار ولادة دولة حقيقية وعادلة ومتوازنة.

alafdal-news
