نبيه البرجي- خاصّ الأفضل نيوز
... الى درجة أن المبعوث الفرنسي باتريك دوريل قال لإحدى الشاشات "الغريب أن هذا البلد الذي سبق كل الدول العربية في التفاعل مع الحداثة ، يبدو وكأنه يحتاج الى حرب أهلية كلما كان يريد الوصول الى صفقة داخلية ، بعد أي هزة سياسية ، أو هزة طائفية ،غالباً ما يكون مصدرها الرياح السوداء التي تهب من المنطقة أو من خارج المنطقة بين الوقت والآخر" .
الآن ،في زمن ثورة الاتصالات ، وقد ساهمت في إنتاج ثقافة التفاهة في العديد من مجتمعاتنا ، لا حاجة للخارج من أجل تأجيج الغرائز أو من أجل نبش القبور دون أن نغفل الدور الذي تضطلع به بعض الشاشات التابعة لأطراف مختلفة بغياب مطلق للعقل السياسي أو للضمير السياسي وبإبدال عملية بناء الجسور بتهديم الجسور . الطريف أن يرى أحدهم بديلاً للقنابل الصوتية،القنابل اللغوية .
حيال تلك الطوائفية العمياء، أي معجزة نحتاجها لإعادة بناء دولة موحدة بمعمارية اجتماعية متراصة وبعدما رأى الكاتب الأميركي دوغلاس كنيدي في بعض الساسة اللبنانيين "الراقصون على ضفاف المستنقعات" .
هو من سبق وقال عقب زيارة بانورامية للبنان "هنا لا تعرف ما إذا كنت في الجنة أم في جهنم ..." !
لا شيء تغير في رؤوسنا من القرن التاسع عشر ودون أن نستخلص أي شيء من التجارب الكارثية التي واجهتنا ومنذ قيام اسرائيل عام 1948 بالإيديولوجيا التوراتية التي لا وجود فيها للآخر . الآن ، نحن في قلب الكارثة، وحيث لا مجال البتة للتكهن بالآتي ، ما دمنا على ذلك المستوى الدراماتيكي من التصدع السياسي والتصدع الطائفي وبالصورة التي تحمل قوى إقليمية ودولية على وضع الملف اللبناني على الطاولة، لنرى توم براك يطل علينا بين الحين والآخر بـ"ديبلوماسية الغربان" ، وليضعنا أمام خيارات لا توجد إلا في الجحيم ...
باحثون لبنانيون بعيدون عن لغة الصومعة أو عن لغة القوقعة يرون أن المشكلة في أداء المنظومة السياسية التي تعاقبت على السلطة، والتي لم تحاول سوى في أوقات محدودة صياغة الاستراتيجيات الخاصة إن حول كيفية بناء الدولة أو حول بناء المجتمع ، لنبدو أمام أزماتنا في منتهى الهلهلة .
لا دولة بل مغارة علي بابا التي استولوا حتى على حجارتها . خبير في صنوق النقد الدولي قال لنا "لم يتركوا ثقباً لفأرة دون أن يصل إليه الفساد" كنيجة جدلية للمحاصصة الطائفية لنلاحظ كيف كانت الدولة تتآكل من الداخل الى حد الانحلال الكامل سياسياً ومالياً وحتى اجتماعياً في حين كان اليمين يتمدد في إسرائيل لنتفاجأ به على أكتافنا ...
على مدى نحو ثمانية عقود لم تبذل أي جهود جدية للخروج من سراويل القناصل في القرن التاسع عشر . كيف لدولة بذلك التوازن الملتبس والضبابي بين الطوائف ألّا تصل الى ذروة الهلهلة بتكريس الواقع البشع الذي لاحظه الأميركي وليم طومسون في كتابه "الأرض والكتاب" (1870 ) خلال جولة بانورامية له في الأرجاء اللبنانية .
قال "هناك حوالي 400000 إنسان ينتشرون في 600 قرية وبلدة تجمع ديانات وإثنيات على خلاف مع بعضها البعض حاملة هواجسها متناقضة وغير منصهرة في بوتقة واحدة ...
السنّة والشيعة يكرهون الدروز ،ثم أن ثلاثتهم يكرهون العلويين النصيريين ، كذلك لا يختص أحد الموارنة بحبهم . في المقابل الجميع يكرهونهم . أما الأرثوذكس فلا يتحملون الكاثوليك . الكل يكرهون اليهود ظاهراً ويتعاملون معهم باطناً" .
أضاف "... وأنا أعتقد أنه لا يوجد شعب في العالم يحمل هذه التناقضات ... هؤلاء لن يتمكنوا أبداً أن يكونوا شعباً واحداً وأن يتفاهموا في ما بينهم على مسألة سياسية موحدة . لذلك باقون ضعفاء غير قادرين على حكم أنفسهم ومعرضين للاحتلال وللضغط من الخارج ..." .
مع وجود إسرائيل وحدوث تفاعلات إيديولوجية واستراتيجية عاصفة ومع اعتبار سياسة الاستقطاب الأحادي التي أرست قواعدها (الفوضوية) الولايات المتحدة والاستئثار بإدارة الكرة الأرضية وبالتالي إدارة الشرق الأوسط الذي ثابر على البقاء على خط الزلازل أو على خط الحرائق ، لا شك أن الوضع اللبناني ازداد تعقيداً كما ازدادت قابليته للتفكك مع تطور وسائل الإعلام ، حتى أن الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري الذي انتقد الكثير من "الآفات التي طفت على السطح في عصرنا" رأى أن "الكراهية لم تكن تنتقل على ظهور الإبل" .
أونفري تحدث عن ذلك الوجه من العالم الذي تتحكم فيه "الأرواح الشريرة" في هذه الحال ،ما بالكم بالشرق الأوسط الذي سبق للمستشرق الأميركي برنارد لويس وقال إن سكانه "حولوا النصوص المقدسة الى سكاكين مقدسة" وإذ "استشرى التأويل العشوائي للتاريخ كما للإيديولوجيا غالباً ما تكون الأولوية للحفر في القاعات المظلمة من التاريخ" .
لا يعوز لبنان الى أكثر من عود ثقاب لكي يحترق أو لكي ينفجر تحت هدير الطائرات الإسرائيلية التي لم تعد تستثني على الأقل حفاظاً على الحد الأدنى من المواثيق الدولية حتى القصر الرئاسي أو السراي الحكومي ودون أن ندري أين يفترض أن يكون لبنان في خارطة الشرق الأوسط التي تتغير خطوة وراء خطوة وأحياناً جثة فوق جثة .
لا شك بوجود تداخل وحتى تكامل عضوي بين مفهوم أميركا ومفهوم إسرائيل للتغيير . كل مشروع آخر (إقليمي بطبيعة الحال) لا يعدو كونه "بعض الغبار الذي تتركه الأزمنة" بحسب الخبير الاستراتيجي الأميركي أندرو مارشال . هذا لا تأثير له لا في صناعة التاريخ ولا في إدارة التاريخ .
مع أننا تعرف مدى البيروقراطية في شخصية الموفد الفرنسي جان ـ ايف لودريان ،نتوقف عند قوله "اللبنانيون وحدهم ، بالاتفاق لا بالافتراق ، هم من يقررون البقاء أو اللابقاء" !!

alafdal-news
