طارق ترشيشي - الأفضل نيوز
تتكرر الردود الإسرائيلية عسكريا على المبادرات التي يطلقها رئيس الجمهورية العماد حوزف عون للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل، فعندما أطلق مبادرته الأولى بعد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الكنيست في أيلول الماضي التي شدد فيها على التحاق لبنان بركب التسويات الإقليمية وأن لبنان بات لا يتحمل حروبًا جديدة، ردت إسرائيل بموجة قصف، وكلما صدر موقف عن أي مسؤول لبناني يرد عليه بقصف في جنوب الليطاني أو شماله وصولا إلى البقاع.
ولكن الرد الإسرائيلي على مبادرة عون التي أطلقها من أرض الجنوب عشية عيد الاستقلال جاء عنيفا وشمل هذه المرة الضاحية الجنوبية لبيروت للمرة الأولى منذ أشهر في قصف حمل رسائل عدة إلى حزب الله وإلى السلطة اللبنانية برمتها، أبرزها العودة إلى ممارسة الاغتيالات لقيادات الحزب العسكرية والسياسية، بدليل أن القيادي الذي اغتيل كان القائد العسكري لحزب الله هيثم الطبطبائي الذي حل مكان فؤاد شكر الذي اغتيل في صيف 2024 في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية أيضا. ما يدل على أن إسرائيل كوّنت بنك أهداف جديدًا ضد حزب الله استهلته باغتيال الطبطبائي.
ولذلك، ترى أوساط سياسية أن ما بعد استهداف الضاحية الجديد لن يكون كما قبله، وأن المناشدات والاتصالات الديبلوماسية لو كانت تجدي نفعا لما حصل ما حصل ويحصل منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 الذي كان إيقافا للحرب من طرف واحد، إذ التزمه حزب الله ولكن إسرائيل مستمرة في الحرب عليه، ليتبيَّن أن هذا الاتفاق إنما كان خدعة أميركية ـ إسرائيلية تعرضت لها السلطة اللبنانية وحزب الله على حد سواء وتمكنت إسرائيل من خلالها من احتلال مناطق عجزت عن احتلالها أيام الحرب، وجعلت منها رأس جسر لاحتلال مناطق جديدة وصولا إلى مجرى الليطاني إن لم يكن إلى نهر الأولي شمال صيدا إن استطاعت إلى ذلك سبيلا.
ومع استمرار إسرائيل في الحرب لأن ما يحصل ليس اعتداءات متقطعة او خرق للوقف النار المتفق عليه وإنما هو استمرار للحرب، باتت ردود فعل أهل السلطة عليها بمثابة كلام ممجوج لم يحقق أي حل، لأن المجتمع الدولي الذي تطالبه السلطة بالتدخل لوقف الحرب الإسرائيلية إنما هو شريك لإسرائيل في هذه الحرب بالدعم المادي واللوجستي والأمني والعسكري، أو بالعمل الديبلوماسي، وبعد أيام تمضي سنة على اتفاق وقف النار الذي لم تلتزمه إسرائيل بعد، كما لم تنسحب من الأراضي التي احتلتها غيلة وغدرا، ولم تتمكن السلطة من تنفيذ وعدها بتحرير الأرض واستعادة الأسرى، بل راحت تصدر القرار بنزع السلاح استنادا إلى القرارين 1559 و1680 اللذين لم يعرف حتى الآن كيف تم "دحشهما" أو دمجهما بالقرار الدولي 1701، وربما حصل ذلك نتيجة التسليم بـ"القضاء والقدر" الأميركي على الرغم من أن إسرائيل خرجت من حرب 2006 تجر أذيال الخيبة والخسران وإن كانت ألحقت دمارا كبيرا بلبنان في بناه التحتية والفوقية.
ولذلك تعتقد الأوساط السياسية العليمة أن تمدد الاعتداءات الإسرائيلية إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، ربما يكون مقدمة لعدوان واسع جديد تهدف الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل منه إلى القضاء نهائيا على حزب الله وكل من والاه، لأنه ما يزال يشكل تهديدا لأمن إسرائيل التي تسعى إلى أن تكون "إسرائيل الكبرى" وفق خريطة نتنياهو الزرقاء التي شاهدها العالم قبل أشهر.
ويبدو أن إسرائيل لا تعير زيارة البابا لاوون الرابع عشر المقررة للبنان في 30 من تشرين الثاني الجاري أي قيمة أو اهتمام، وهي قد لا تتورع عن القيام باعتداءات جديدة في يوم وجوده في لبنان، خصوصا وأن جولة البابا التي تشمل تركيا ولبنان، تزعجها لأنها لم تشمل فلسطين المحتلة أرض السيد المسيح وقيامته. بل إنه لن يضيرها أن تم تأجيل هذه الزيارة في ربع الساعة الأخير قبل حصولها لسبب ما ربما تستولده هي فمن يدري؟
وعلى رغم كل ذلك فإن الأسابيع القليلة الفاصلة عن نهاية السنة التي حددتها "الورقة الأميركية" الشهيرة التي حملها توم براك موعدا لتحقيق حصرية السلاح بيد الدولة ولا سيما منه سلاح حزب الله ستكون محفوفة بكثير من المخاطر وربما تتخللها أو تعقبها الحرب الواسعة أو على الأقل "الأيام القتالية" التي تهدد بها إسرائيل للقضاء على الحزب وما يمتلكه من إمكانات عسكرية.
وتعتبر الأوساط أن إسرائيل لا تريد أي مفاوضات مع لبنان ما لم ينزع سلاح حزب الله، وهو شرط تضعه هي والولايات المتحدة الأميركية للدخول في أي مفاوضات التي لن تنتج إن نُزع السلاح إلا اتفاقا شبيها باتفاق 17 أيار لعام 1983 أو تطبيعا ضمن "اتفاقيات أبراهام".
لكن مبادرة الرئيس عون قالت بأن ينفذ وقف النار والقرار الدولي 1701 بحيث تنسحب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وتطلق الأسرى ويتولى لبنان معالجة موضوع السلاح، أما موضوع السلام وغيره فربطته المبادرة بالموقف العربي الجامع.
موقف حزب الله
وإذ تحدثت المبادرة عن حالة "مكابرة وإنكار" متبادلة بين الفريقين السياسيين المتخاصمين الداخليين في التعاطي مع الواقع الجديد الذي أفرزته الحروب في المنطقة، وأعطت لكل منهما حقه، فإن حزب الله وبحسب أوساطه، يرد على كلام عون ويقول إنه إذا كان هو من المقصودين بالكلام عن المكابرة والإنكار وإنه لم يقرأ المتغيرات ويتصرف وكأن شيئا لم يتغير "فإن في ذلك إجحاف لا يتوافق مع الواقع، لأن الحزب التزم وقف إطلاق النار منذ إعلانه في 22 تشرين الثاني 2024 وأوقف العمليات العسكرية والتزم موجبات القرار الدولي 1701 في منطقة جنوب الليطاني وتبنى الخيار الديبلوماسي السياسي الذي تعتمد الدولة لتحرير الأرض عبر المقاومة السياسية والديبلوماسية، وأعلن بوضوح التزامه بأن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه وأكد أن دور المقاومة دفاعي ولا علاقة له بقرار الحرب والسلم الذي هو في يد الدولة، ولأنه ملتزم بهذا الشيء ولأن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة يقف إلى جانب الجيش والشعب ويعتبر أن الجيش هو المسؤول عن أمن البلد وتحريره وهذا يعني أننا أكدنا أن القرار هو للجيش وأننا منسجمون ومتكيفون مع المتغيرات الحاصلة. كما أننا كنا المبادرين إلى مد اليد للخارج وفتح صفحة جديدة داخليا وخارجيا وكان من ذلك المبادرة تجاه المملكة العربية السعودية. أما المنكرون للواقع والمتغيرات فهم الذين يتهموننا بالدويلة ويذهبون إلى استدعاء الخارج إما الاستكمال معركته، وإما لاستدراج الوصايات والضغوط الخارجية لتوظيفها في مشاريعهم".
وتسأل هذه الأوساط حزب الله عبر موقع "الأفضل نيوز": "هل الإنكار يكون بمشاركة الحزب في انتخاب رئيس الجمهورية على رغم "الطريقة الفجة" التي فرضتها الوصايات الخارجية الجديدة؟ أوليس الحزب جزءا من الحكومة التي اتخذت القرار بحصرية السلاح في يد الدولة؟".
وتضيف الأوساط أن توجيه الرئيس عون مبادرته إلى العالم "إنما ينطلق من شعور بأن الولايات المتحدة والدول الغربية لا تقف إلى جانب لبنان، إذ على الرغم من كل ما قدمه من تنازلات وتبنيه الورقة الأميركية قوبل بتنصل أميركي في الوقت الذي لم تقدم إسرائيل على أي خطوة إيجابية في المقابل". على أن الحزب، حسب أوساطه، "يؤيد مبادرة الرئيس عون التي تحدثت عن التفاوض بعد تحقيق وقف النار والانسحاب الإسرائيلي وهذا يندرج في سياق اتفاق 27 تشرين والثاني 2024 وينسجم مع روحيته".
وأكثر من ذلك تقول أوساط الحزب إنه "عندما نشبت الحرب بين إسرائيل وإيران وقف على الحياد وهذا يدحض مقولة البعض بأن السلاح الذي يمتلكه هو للدفاع عن إيران، وهذا مساره الآن وهو ملتزم مناقشة موضوع السلاح ضمن استراتيجية الأمن الوطني وهذا الأمر معروف عنه منذ أن بدأت الاتصالات واللقاءات بينه وبين رئيس الجمهورية وقبل أن يصدر القرار الحكومي بحصرية السلاح بيد الدولة".

alafdal-news
