ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
لم تكن الضاحية الجنوبية لبيروت، مجرّد مسرح لانفجار جديد في سلسلة التوترات المتنقلة بين لبنان وإسرائيل. فما وقع في قلب حارة حريك حمل طابعاً مختلفاً تماماً: ضربة دقيقة، محسوبة، ومحمّلة برسائل عسكرية وسياسية تتجاوز حدود الجغرافيا اللبنانية.
الضربة بحدّ ذاتها لم تكن مجرد حدث أمني، بل تحوّلت خلال دقائق إلى محور نقاش إقليمي: كيف استطاعت إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية بهذا المستوى داخل واحدة من أكثر البيئات الأمنية تحصيناً؟ هل هو خرق استخباري عميق؟ رسالة ردع؟ أم خطوة في سياق معركة أوسع تُدار على الحافة منذ أشهر؟
في المعطيات الميدانية، ضربة جوية بست صواريخ ذكية أطلقتها طائرتا "أف.٣٥"، استهدفت ثلاث شقق في مبنى، وصلها قبل ساعتين من الغارة، أبرز العقول العسكرية في حزب الله، هيثم (أبو علي) طبطبائي، الشخصية التي كثيراً ما ظهرت في التقديرات الغربية والإسرائيلية كونه "ضابط العمليات الخارجية" و"رئيس أركان الظلّ" المسؤول عن التنسيق بين ساحات لبنان وسوريا واليمن، لعقد اجتماع مع عدد من مساعديه الميدانيين، تمكن "عميل بشري" من رصد الهدف، وفقا للمصادر الإسرائيلية.
في المقابل، وجدت الدولة اللبنانية نفسها أمام واحد من أعقد التحديات منذ سنوات: استهداف مباشر داخل العاصمة في منطقة تُعدّ مركز الثقل العملياتي والسياسي لحزب الله، في لحظة إقليمية مشحونة، ومع حكومة تتعامل أصلاً مع إنقسام سياسي، انهيار اقتصادي، وضغط دولي، وعزلة غير مسبوقة.
وبينما تتجه الأنظار نحو الحزب لمعرفة طبيعة الردّ، تتسع دائرة التساؤلات حول قدرة لبنان على امتصاص أي موجة تصعيد، وحول ما إذا كانت البلاد مقبلة على مواجهة واسعة، أو على مرحلة جديدة من "الاحتواء الهشّ" الذي لا يموت ولا يهدأ.
على مستوى حزب الله، يمثّل استهداف طبطبائي، واحداً من أبرز الضربات التي تطال الصفّ القيادي الأول منذ وقف النار. فالرجل يُعتبر من القلة التي تتقاطع أدوارها بين التخطيط الميداني، بناء القدرات، والإشراف على مسارح عمليات تمتد من القلمون إلى الجنوب إلى مسرح البحر الأحمر.
وبالتالي، أي مسّ بهذه الحلقة يغيّر تلقائياً ميزان الحسابات داخل الحزب، ويضع قيادته أمام معادلة جديدة: كيف يردّ من دون أن يجرّ البلاد إلى حرب، وكيف يتجنّب في الوقت ذاته الظهور بموقع العاجز عن حماية بيئته الحاضنة؟
إسرائيل، من جهتها، أرسلت عبر هذه العملية إشارة مزدوجة: الأولى إلى جمهورها الداخلي بأنّ المؤسسة الأمنية ما زالت تملك اليد الطولى والقدرة على ضرب "الرؤوس المتقدمة" لحزب الله متى شاءت؛ والثانية إلى الحزب مفادها أن قواعد الاشتباك التقليدية لم تعد ثابتة وأنّ الضاحية، بكل رمزيتها، لم تعد بمنأى عن المعركة.
وبين الرسائل المتبادلة، يستعد لبنان لجولة جديدة من الترقّب: هل سنكون أمام ردّ محدود يدخل في إطار "تثبيت قواعد اللعبة"، أم أنّ قتل شخصية بهذا الوزن سيكسر المعادلات ويؤسس لتصعيد واسع قد يخرج عن السيطرة؟
هذه الأسئلة، معطوفة على معطيات الساعات المقبلة، ستحدد اتجاه المشهد اللبناني والإقليمي. فالعملية ليست تفصيلاً أمنياً، بل منعطفاً محتملاً في معادلة الردع بين الطرفين، وقد تكون بداية لمرحلة مختلفة بالكامل إذا ما تدرّجت الردود وخرجت عن سقف الضبط التقليدي الذي حكم السنوات الماضية.

alafdal-news
