راما الجراح - خاص الأفضل نيوز
أظهرت دراسة عالمية حديثة أن لبنان يحتل المرتبة الثانية عربياً في انتشار الأمراض العقلية بعد تونس، والمرتبة الخامسة عالمياً بين الدول الأكثر تعرضاً لهذه الاضطرابات. هذا التصنيف ليس مجرد رقم، بل مؤشر على واقع يعكس تراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعيشها المجتمع اللبناني منذ عقود، ما جعل الصحة النفسية قضية وطنية حقيقية تمس كل بيت وكل شخص.
الأمراض النفسية والعقلية: تداخل وفارق واضح
توضح المعالجة النفسية سلام شمس الدين أنّه من الضروري التفريق بين الأمراض النفسية والعقلية لفهم الأزمة بدقة. وتشير إلى أنّ الأمراض النفسية تشمل اضطرابات العصاب مثل الاكتئاب، الوسواس القهري واضطرابات الهلع، وهي مرتبطة بالجهاز العصبي وتظهر على شكل قلق مستمر أو توتر نفسي مزمن، في حين أن الأمراض العقلية تتضمن مظاهر ذهانية واضحة مثل الفصام، واضطرابات تفككية تؤثر مباشرة على عمل الدماغ وقدرة الفرد على التحكم بسلوكه.
وتشدّد شمس الدين عبر "الافضل نيوز" على أنّه من الممكن أن تتداخل الاضطرابات النفسية مع العقلية، خصوصاً عند إهمال العلاج أو تفاقم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مشيرة إلى أنّ عوامل مثل الإدمان قد تفتح الطريق نحو اضطرابات عقلية حادة، بينما الضغوط اليومية مثل الانهيار الاقتصادي، البطالة، ارتفاع تكاليف المعيشة، والصدمات المتكررة ترفع من احتمالات ظهور هذه الأمراض.
وتضيف أنّ نسبة كبيرة من اللبنانيين يعانون من شكل من أشكال الاضطرابات النفسية، وأن الاكتئاب والقلق أصبحا جزءاً من الواقع اليومي للكثيرين، خصوصاً لدى الشباب الذين يعيشون تحت ضغط متواصل من العائلة والمجتمع والظروف المحيطة، محذّرة من أنّ إهمال التعامل مع هذه الحالات قد يؤدي إلى تطور الاضطرابات النفسية إلى أمراض عقلية أكثر حدة، ما يزيد احتمال إيذاء الذات أو الآخرين.
وتشير إلى أنّ الجرائم الوحشية التي شهدها لبنان مؤخراً، من التنكيل بالجثث إلى القتل العنيف، غالباً ما ترتبط بأفراد فقدوا السيطرة على سلوكهم نتيجة اضطرابات عقلية حادة، وليست تصرفات تصدر عن شخص طبيعي. كما تذكر أنّ بعض المرضى لاحظوا أن منصات التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك، ساهمت في تفاقم حالتهم النفسية، وأن حذفها ساعدهم على استعادة التوازن النفسي، ما يوضح أهمية التدخل المبكر ومواجهة العوامل المؤذية قبل أن تتطور الحالة.
الأزمة الاجتماعية وتأثيرها على المجتمع
يؤكد خبراء الاجتماع أنّ انتشار الاضطرابات النفسية والعقلية في لبنان لا يمكن تفسيره بالعوامل الفردية فقط، بل هو ظاهرة اجتماعية هيكلية. فهم يشيرون إلى أنّ انهيار دور الأسرة والمدرسة، تراجع شبكة الأمان الاجتماعي، ارتفاع معدلات البطالة والهجرة، كل ذلك خلق شعوراً بالعزلة والإحباط، خصوصاً لدى الشباب الذين يجدون أنفسهم بين توقعات عائلية متزايدة وضغوط اجتماعية مستمرة، مع غياب أي مؤشرات أمان للمستقبل.
ويرى الخبراء أنّ هذه البيئة الاجتماعية هي التي تجعل من الضغوط النفسية عاملاً جماعياً يزيد من احتمالات تطور الأمراض النفسية إلى أمراض عقلية في حالات الإهمال.
الوقاية والتوعية أساس الحل
تشير الدراسات والخبراء إلى أنّ معالجة الأزمة النفسية في لبنان لا تبدأ فقط بالعلاج الطبي، بل يجب أن تركز على التوعية والتثقيف في المدارس والأُسَر ومؤسسات العمل، إلى جانب دعم الأفراد مبكراً قبل تفاقم الأعراض. والوقاية المبكرة والتدخل الفعال بحسب شمس الدين يمكن أن يمنع الانزلاق إلى اضطرابات عقلية حادة، لأن كل تأخير يزيد من احتمالات الضرر النفسي والاجتماعي.
إذاً، لبنان اليوم أمام أزمة صامتة لكنها حقيقية، والتصدي لها يتطلب جهداً متكاملاً على مستوى الفرد والمجتمع والدولة.

alafdal-news
