زينة عيدي - خاصّ "الأفضل نيوز"
في زمن تتسارع فيه الحياة بوتيرة خانقة، بات الإرهاق علامة اجتماعية تشبه وسام الشرف، لم يعد التعب مجرد حالة جسدية أو نفسية نمرّ بها في نهاية يوم طويل، بل أصبح "أسلوب حياة" يُفاخر به البعض، وكأنه دليل صريح على النجاح والإنجاز.
لكن خلف هذا الفخر المزيّف، تتراكم كلفة نفسية وصحية باهظة، الإرهاق المزمن لا يصنع إنسانًا أقوى، بل شخصًا هشًا، سريع الانفعال، فاقدًا للشغف، المفارقة أن المجتمع الذي يصفّق للتعب، يلوم المنهكين حين ينهارون، كأن الانهيار فشل فردي لا نتيجة ضغط جماعي.
إعادة النظر في علاقتنا بالتعب ضرورة لا رفاهية، فالفخر الحقيقي لا يكون في عدد ساعات السهر، بل في القدرة على تحقيق التوازن، وفي شجاعة الاعتراف بأن الراحة ليست ضعفًا، بل شرط أساسي للاستمرار، لعل السؤال الأهم اليوم ليس: كم تعبت؟ بل: هل ما زلت بخير؟
بعد كل هذا الإرهاق الذي نتباهى به، يقف الإنسان أمام سؤال صامت: ماذا تبقى منه؟ جسد مثقل، ذهن مشتت، ومشاعر مؤجلة إلى إشعار آخر، كأننا نؤجل الحياة نفسها بحجة السعي إليها، ونؤمن بأن الراحة مكافأة مؤجلة لا تُمنح إلا بعد الاستنزاف الكامل.
الأخطر أن التعب لم يعد مرحلة عابرة، بل حالة دائمة. ننام ونحن متعبون، ونصحو على وعد بتعب جديد. ومع الوقت، نفقد القدرة على التمييز بين الطموح والاستنزاف، بين الجدية وتدمير الذات، نعمل أكثر، نشعر أقل، ونقنع أنفسنا أن هذا هو الثمن الطبيعي للنجاح.
لكن الحقيقة أن ما يأتي بعد التعب الطويل ليس دائمًا إنجازًا، بل فراغ، فراغ من الشغف، من الدهشة، من الإحساس البسيط بالرضا. وحين نصل إليه، نكتشف متأخرين أننا لم نكن بحاجة إلى كل هذا الإنهاك لنثبت قيمتنا.
ربما آن الأوان لإعادة تعريف القوة، القوة ليست في أن نكمل رغم الانكسار، بل في أن نتوقف قبل أن ننكسر، وأن نفهم أن الحياة لا تُقاس بما استهلكناه من طاقة، بل بما حافظنا عليه من إنسانيتنا.

alafdal-news
