نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
يُعدّ الفقر من الظواهر الاجتماعية المعقّدة التي تعاني منها المجتمعات على اختلاف مستوياتها الاقتصادية، غير أن أخطر أشكاله وأشدّها تأثيراً هو الفقر الخفي، ذلك النوع من الفقر الذي لا يرى بالعين المجرّدة، ولا يقاس بالمظاهر الخارجية، إذ تعيش بعض العائلات في لبنان بضيقٍ شديدٍ وهي تحرص في الوقت نفسه على صون كرامتها والحفاظ على صورتها الاجتماعية، فتمتنع عن مدّ يدها طلباً للعون، وتفضّل الكتمان على الشكوى. ويجعل هذا الصمت الفقر الخفي أكثر خطورة، لأنه يحرم المتضررين من الدعم، ويصعّب على المجتمع اكتشافه ومعالجته في الوقت المناسب.
مفهوم الفقر الخفي وأسبابه
الفقر الخفي هو حالة من العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية للحياة الكريمة، مثل الغذاء الجيد، التعليم والرعاية الصحية، دون أن يظهر ذلك بوضوح على الأفراد. وغالباً ما يعود هذا النوع من الفقر إلى أسباب متعددة، منها فقدان المعيل، البطالة المفاجئة، ارتفاع تكاليف المعيشة، تراكم الديون أو الإصابة بمرض مزمن يستنزف الدخل. كما تلعب العادات الاجتماعية دوراً مهما، إذ تعتبر بعض الأسر أن طلب المساعدة مساس بكرامتها أو اعتراف بالعجز، فتختار الصمت مهما اشتدّت الحاجة.
من هنا، تكمن خطورة الفقر الخفي في صعوبة اكتشافه، لأن المتضررين منه يحرصون على إخفاء معاناتهم، وقد يبدون في مظهر لائق يخفي وراءه ضيقاً شديداً. وينتج عن ذلك آثار اجتماعية ونفسية خطيرة، مثل الشعور بالإحباط، القلق، فقدان الأمان وربما التفكك الأسري. كما ينعكس الفقر الخفي على الأطفال بشكل خاص، فيؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي، أو الحرمان من فرص التعليم الجيد، أو الانسحاب الاجتماعي، مما يهدد مستقبلهم ويعمّق دائرة الفقر عبر الأجيال.
اكتشاف الفقر الخفي:
مسؤولية مجتمعية
أوساط اجتماعية تقول عبر "الأفضل نيوز" إن "المجتمع يتحمّل بمؤسساته وأفراده مسؤولية كبيرة في الكشف عن الفقر الخفي دون انتهاك الخصوصية أو جرح المشاعر. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز دور المدارس في متابعة أوضاع الطلبة، حيث يُعدّ المعلمون من أوائل من يلاحظون التغيّرات السلوكية أو الدراسية التي قد تشير إلى وجود ضائقة مالية في الأسرة. كما تسهم المؤسسات الدينية في التعرف إلى الأسر المتعففة من خلال الاحتكاك المباشر بالمصلّين، إضافة إلى دور الجمعيات الخيرية التي تعتمد على فرق ميدانية مدرّبة تعمل بسرية واحترام. ولا يقلّ دور الجيران والأقارب أهمية، إذ إن العلاقات الاجتماعية القائمة على الرحمة والتكافل قادرة على كشف الحاجة دون إحراج، خاصة عندما يسود التعاون والتواصل الإنساني الصادق، بعيداً عن الفضول أو نقل الأخبار".
سُبل المعالجة
وفي سياق متصل، تعتبر الأوساط نفسها أن "معالجة الفقر الخفي تتطلّب اعتماد وسائل ذكية وغير مباشرة، تحترم كرامة المحتاجين وتُشعرهم بالأمان. ومن أبرز هذه الوسائل تقديم المساعدة في صورة فرص عمل أو مشاريع صغيرة تضمن دخلاً مستداماً، بدل الاكتفاء بالمساعدات المؤقتة. كما يُعدّ دعم التعليم من خلال المنح الدراسية، وتوفير المستلزمات المدرسية، ودروس التقوية المجانية، من أنجح الطرق لمساعدة الأسر دون إحراجها".
إلى جانب ذلك، ترى أن "توفير الرعاية الصحية المجانية أو المخفّضة، تسديد الديون العاجلة ودعم الإيجارات، جميعها تشكّل حلولاً فعّالة تخفف من حدة الأزمة. ويُستحسن أن تقدّم هذه المساعدات بسرية تامة، ومن خلال قنوات موثوقة، لضمان حفظ كرامة الأسر المحتاجة وتعزيز ثقتها بالمجتمع".
ما هو دور التكافل الاجتماعي؟
وأمام كل تلك الوقائع، توضح الأوساط نفسها أن "التكافل الاجتماعي يعتبر الركيزة الأساسية في مواجهة الفقر الخفي، فهو يعكس وعي المجتمع بترابط أفراده ومسؤوليتهم المشتركة. ويتجلّى التكافل في المبادرات التطوعية، مثل كفالة الأسر المتعففة، وتوفير السلال الغذائية، ودعم المشاريع الإنتاجية، في سدّ حاجات المحتاجين بطرق تحفظ كرامتهم. إذ أنه لا يقتصر التكافل على الجانب المادي فحسب، بل يمتدّ إلى الدعم النفسي والمعنوي، من خلال الاهتمام، والسؤال، بثّ روح الأمل، وإشعار الأفراد بأنهم جزء فاعل ومهم في المجتمع. فالتكافل الحقيقي هو الذي يرفع الإنسان من عثرته، لا الذي يذكّره بحاجته".
دور الدولة!
تشرح الأوساط أنه "إلى جانب جهود المجتمع، تتحمّل الدولة مسؤولية كبيرة في الحدّ من الفقر الخفي، عبر وضع سياسات اجتماعية عادلة، وتوفير شبكات أمان اجتماعي، ودعم الأسر ذات الدخل المحدود. كما يسهم التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية والمؤسسات الأهلية في توحيد الجهود، ومنع الازدواجية، وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بكفاءة وعدالة تامة".

alafdal-news
