ميرنا صابر - خاصّ الأفضل نيوز
يشهد لبنان مع اقتراب موسم الأعياد هذا العام حركةً لافتة في عدد الوافدين، إذ يتأهب مطار رفيق الحريري الدولي لاستقبال ما يقارب 18 ألف مسافر يومياً بين منتصف كانون الأول وبداية كانون الثاني المقبل. أرقام تُعيد إلى الأذهان صورة لبنان الذي لطالما شكّل محطة دافئة للمغتربين في موسم الأعياد، لكن خلف هذه الحركة المكثّفة يبقى السؤال عن مدى انعكاسها الفعلي على الدورة الاقتصادية الداخلية.
منذ بداية شهر كانون الأول، سجلت حركة الوافدين إلى لبنان ارتفاعاً تدريجياً، إذ انتقلت من نحو 8 آلاف إلى أكثر من 10 آلاف وافد يومياً خلال الأيام الأولى من الشهر، مع توقعات بمزيد من الارتفاع مع اقتراب عيدَي الميلاد ورأس السنة. ومع انتصاف الشهر الحالي، تشير بيانات مديرية الطيران المدني إلى أنّ عدد الوافدين قد يصل إلى حوالي 18 ألف شخص يومياً خلال الفترة الممتدة من 15 كانون الأول وحتى 5 كانون الثاني 2026، وذلك استناداً إلى طلبات شركات الطيران بزيادة عدد الرحلات.
أكثر من ذلك، حجوزات السفر تكتمل في هذه الفترة خصوصاً للرحلات العادية والإضافية، إذ أفاد مسؤولون في شركات الطيران بأن كل الرحلات المبرمجة خلال عطلات الأعياد محجوزة بالكامل حتى كانون الثاني، مما يعكس طلباً مرتفعاً من المغتربين والسياح للقدوم إلى لبنان خلال الموسم. فبينما تستعد شركات الطيران لتسيير رحلات إضافيّة بعد امتلاء معظم الرحلات العادية، تظهر مفارقة واضحة على الأرض: الازدحام في المطار والفنادق لا يترجم بالضرورة انتعاشاً اقتصادياً واسعاً.
فوفق معلومات خاصة لموقع "الأفضل نيوز"، تشير مصادر في قطاع تأجير السيارات إلى أنّ نسبة الحجوزات هذا العام لم تتجاوز 30% فقط، مقارنة بنحو 70% في مواسم الأعياد السابقة، وذلك رغم ارتفاع عدد الوافدين. الأسباب تتوزّع بين القلق الأمني السائد وارتفاع كلفة الإيجارات اليوميّة بالدولار النقدي، ما يدفع كثيرين إلى الاعتماد على وسائل نقل بديلة أو سيارات الأقارب.
أما على صعيد الإقامة، فقد سجلت بعض الفنادق في بيروت إشغالاً تراوح بين 70 و90%، خصوصاً في الفنادق الفاخرة التي تستقطب المغتربين والمجموعات السياحية من أوروبا ودول الخليج. لكن هذه النسبة تتراجع في الفنادق المتوسطة والمناطقيّة التي ما زالت تعاني من ضعف الطلب. ويُتوقع أن تتحسّن تدريجياً في الأيام الأخيرة من العام، مدفوعة بحجوزات ليلة رأس السنة والعروض الترويجية القصيرة المدى.
قطاع المطاعم والملاهي يستعد بدوره لاستقبال الموسم بطموحات حذرة، إذ يشير عدد من أصحاب المؤسسات إلى أنّ القدرة الشرائيّة لدى اللبنانيين والمغتربين المقيمين مؤقتاً محدودة، ما يجعل الإقبال متفاوتاً بين منطقة وأخرى. فبينما امتلأت بعض المطاعم في العاصمة بالحجوزات المسبقة، تبدو المؤسسات في المناطق الساحليّة والداخليّة أكثر حذراً في التوقعات، خاصة في ظل الغلاء وتقلّب الأسعار اليوميّة.
وفي المقابل، تؤكد مصادر في وزارة السياحة لـ"الأفضل نيوز": "أنّ عدد الوافدين هذا الشهر يُعدّ من الأعلى منذ عام 2019، ما يعكس رغبة اللبنانيين في الخارج بالعودة ولو لفترة وجيزة، ليس بهدف الاستثمار أو السياحة بقدر ما هو بحث عن دفء العائلة واستعادة الشعور بالانتماء في بلد لا يزال يرزح تحت الأزمات الاقتصادية والسياسيّة."
ورغم التفاؤل النسبي في بعض المؤشرات، تبقى الصورة العامة متناقضة: حركة كثيفة في المطار والفنادق من جهة، ومردود اقتصادي محدود من جهة أخرى. فالموسم الذي يُفترض أن ينعش السوق يبدو هذه المرة أقرب إلى "زيارة عائليّة جماعيّة" منه إلى دورة اقتصادية فاعلة.
ومع ذلك، فإنّ مجرد امتلاء الطائرات بالوافدين في هذا التوقيت الصعب يمنح اللبنانيين جرعة أمل بأنّ البلاد، رغم كل ما تمرّ به، لا تزال قادرة على جذب أبنائها كلما أطلّ العيد، ولو بأثر نفسي أكثر منه اقتصادي.

alafdal-news
