يارا أيوب - خاصّ الأفضل نيوز
يشهد لبنان في السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً في قطاع النقل الكهربائي، مدفوعاً بعوامل اقتصاديّة وبيئيّة و تكنولوجيّة.
فمع ارتفاع كلفة الوقود التقليدي، وعدم استقرار إمداداته، أصبح الاعتماد على السيارات الكهربائيّة خياراً جذّاباً لعددٍ من السائقين، لا سيّما في المدن الكبرى. وقد ساهمت وفرة السيارات الصينيّة بأسعارٍ مقبولة في تعزيز هذا التوجّه، بالإضافة إلى انخفاض كلفة صيانتها، مقارنةً بالمركبات التي تعمل بالمحروقات.
هل يشكّل التحوّل نحو النقل الكهربائي في لبنان حلاً مستداماً لأزمة النقل والطاقة، أم مجّرد مبادراتٍ فرديّة محكومة بالفوضى وغياب التخطيط الرسمي؟
لم يعد الإقبال على السيارات الكهربائيّة في لبنان مجرّد موضة تكنولوجية، بل أصبح خياراً فرضته الظروف المعيشيّة. فمع ارتفاع كلفة صفيحة البنزين، وعدم استقرار أسعارها، وجد كثيرون في السيارات الكهربائيّة وسيلة لتقليص نفقات التنقّل، خصوصاً أن كلفة صيانتها أقّل، ولا تحتاج إلى وقودٍ مستورد.
ويشير أحد تجار السيارات في بيروت إلى أن الطلب على السيارات الكهربائيّة، لا سيّما الصينيّة منها، ارتفع بشكل ملحوظ منذ عام 2022، مدفوعًا بإعفاءات جمركية وازدياد الاعتماد على الطاقة الشمسية في المنازل.
على الصعيد القانوني، فقد استفادت السيارات الكهربائية من إعفاءاتٍ ضريبيّةٍ نصّت عليها قوانين الموازنات الأخيرة، حيث أُعفيت هذه المركبات من الرسوم الجمركية، في خطوة هدفت إلى تشجيع وسائل النقل التي تحُد من التلّوث. غير أنّ هذه الإجراءات، بحسب خبراء، تبقى جزئيّة ومؤقّتة، لغياب قانون شامل ينّظم قطاع النقل الكهربائي، ويحدّد معايير الشحن والسلامة.
ويؤّكد خبراء في الشؤون البيئيّة أنّ قانون حماية البيئة رقم 444 يشكّل مظّلة قانونيّة عامة تسمح للدولة بتشجيع النقل النظيف، لكن المشكلة تكمن في عدم ترجمة هذا القانون إلى سياسات تنفيذيّة واضحة.
ومن الجهة التشريعيّة، لا تزال الدولة في طور صياغة سياسات لحوافز ضريبيّة، وتنظيم استيراد المركبات الكهربائيّة، في محاولة لتنظيم القطاع وتشجيع حلول نقل أقل ضرراً على البيئة. كما تعمل بعض المؤسّسات الخاصة على دراسة إمكانيّة إدخال حافلات النقل الكهربائيّة في إطار مشاريع شراكة مع جهات دوليّة.
وعلى الرغم من الإقبال المتزايد على شراء السيارات الكهربائيّة ، يبقى ضعف البنية التحتيّة للكهرباء أحد أبرز التحديات. فمع محدودّية التغذية من مؤسسة كهرباء لبنان، يعتمد معظم مستخدمي السيارات الكهربائيّة على موّلدات خاصة ، أو أنظمة طاقة شمسيّة لشحن مركباتهم. في هذا السياق، أطلقت بعض الشركات الخاصة محّطات شحن تعمل بالطاقة الشمسيّة في مناطق محّددة، مثل جبيل والمتن، في مبادراتٍ فرديةٍ تحاول سدّ النقص، لكِنها لا ترقى إلى مستوى شبكة وطنيّة متكاملة.
مؤّخراً تكّرر الحديث عن إصلاح قطاع النقل، إلّا أنّ مشاريع الحافلات الكهربائيّة في لبنان، لا تزال سجينة الدراسات والمقترحات. فحتى اليوم، لم تُطلق أي مبادرة رسميّة لتحويل أسطول النقل العام إلى كهربائي، على عكس دول مجاورة سبقت لبنان في هذا المجال بدعم دولي وتشريعات واضحة. وتؤكد بعض المصادر أنّ التمويل الدولي متوّفر، لكن غياب الرؤية الحكوميّة و الإطار القانوني يؤّخر الاستفادة منه.
فمن الناحية البيئيّة، يمكن للنقل الكهربائي أن يساهم في خفض انبعاثات الغازات السامة وتحسين نوعيّة الهواء، خصوصاً في المدن المكتظّة. أمّا اقتصادياً، يشكّل هذا التحوّل فرصة لتقليص فاتورة استيراد المحروقات، وفتح مجالات عمل جديدة في قطاع الطاقة والصيانة والتكنولوجيا.
يبقى السؤال المطروح، هل يسير لبنان نحو تحوّل منظّم في قطاع النقل؟ أم سيبقى النقل الكهربائي مجرّد مبادرات فردية في ظل غياب الدولة رغم الخطوات الخجولة؟ مع هذه التساؤلات، يبدو أن النقل الكهربائي في لبنان يسير أسرع من السياسات التي تنظّمه. وبين الحاجة الاقتصادية والفرصة البيئية، يقف البلد أمام خيار واضح: إما استثمار هذا التحوّل ضمن خطة وطنيّة شاملة، أو تركه رهينة الاجتهادات الفرديّة، في بلد يعاني أصلاً من أزماتٍ متراكمةٍ.

alafdal-news
