ربى اليوسف - خاصّ الأفضل نيوز
اليوم، الصبحية عند فلانة، وغدًا عند الأخرى… هكذا تبدأ نهارات السيدات في القرى، وفي المدن أيضًا، وكأن الصبحية طقسًا يوميًا يفرض نفسه على جداولهن.
لقاء صغير مع الشاي والقهوة، رشة بهارات من أخبار البيت، الأطفال، والحياة عمومًا، وبين ضحكة وأخرى تتبادل النساء الخبرات والنصائح.
الصبحية ليست مجرد تجمع عابر، بل مساحة اجتماعية تسمح للمرأة بالراحة والتنفيس عن ضغوط الحياة اليومية. ففي القرى، تشكل هذه اللقاءات فرصة للتواصل والتضامن بين الجارات، بينما في المدن تصبح متنفسًا بعيدًا عن زحام العمل وروتين البيت.
تساهم هذه اللقاءات في رفع الروح المعنوية، وتخفيف التوتر النفسي، وتمنح النساء شعورًا بالانتماء إلى مجتمع داعم. الصبحية إذن، ليست مجرد صباح عابر، بل لحظة حياة صغيرة تجمع بين التواصل والمرح والدعم الاجتماعي.
ويبدو أن النساء يجدن في هذه اللقاءات فرصة للتعبير أكثر، وهو ما يتوافق مع قدرتهن الطبيعية على الطلاقة والذاكرة اللفظية، أي القدرة على إيجاد الكلمات وتذكرها بسهولة أكبر مقارنة بالرجال.
وفي بيناتنا خبز وملح، و"بصارة"، فتكاد لا تخلو الصبحية من رموز التبصير"، سعدان، حتسعدي، كلب صديق وفي، شجرة عز، والعريس المنتظر والطرحة البيضاء و"مهلك مهلك جايي الليلة دار أهلك"، حيث تشارك الفتيات أمهاتهن هذه الطقوس، ولا تمر جلسة القهوة دون عادة قراءة الفنجان، التي يمارسها الكثيرون رغم اختلاف القناعات حول نتائجها.
الصبحية اللبنانية مهددة بالانقراض ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أثرت على نمط الحياة التقليدي.
فمع زيادة أعباء العمل، الدراسة، وسرعة الحياة في المدن والقرى، أصبح من الصعب على النساء تخصيص وقت صباحي أسبوعي أو يومي للقاءات الصبحية، خاصة في الأسر التي تعتمد على عمل المرأة خارج المنزل، "السوبر وومان"، و"السترونغ أندباندنت وومان".
كذلك بدلت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الحديثة جزءًا كبيرًا من التواصل المباشر، فأصبحت المحادثات والصور والفيديوهات تحل محل اللقاءات الحية، ما أضعف الشعور بالاحتكاك الاجتماعي المباشر وأصبح اختصار لقاءتنا ب "ألو، باي".
في حين أدت الاهتمامات الجديدة لجيل الشاب، وانتشار ثقافة الاستقلالية والخصوصية، إلى تقليص الاهتمام بالطقوس الجماعية التقليدية مثل الصبحية
كذلك أضعف ارتفاع تكاليف المعيشة والفقر القدرة على تنظيم لقاءات منتظمة تتضمن تقديم الطعام والشراب.
كما أن الهجرة الداخلية والخارجية شتت العائلات وقللت من إمكانية اللقاء اليومي أو الأسبوعي الذي كان أساس الصبحية في الماضي.
إذا كانت الصبحية في الماضي إذاعة تلفزيونية حية، ومسرحًا لتبادل الأخبار والهواجس، وأحيانًا حلبة منافسة على أفضل كعكة أو أحلى "تبصير" بالفنجان… فإنها اليوم، مع ضغط الحياة، والأطفال، والموبايلات، وأحيانًا النسيان البريء، باتت مهددة بالانقراض.
وإذا لم نحافظ عليها، سيصبح فنجان القهوة في الصبحية مجرد ذكرى نضحك عليها في الصور القديمة، وسنحكي للأحفاد عن "صبحية النسوان" وكأنها حكاية خرافية من زمن بعيد، قبل أن تصدح أصوات المنبهات معلنة بداية يوم جديد!

alafdal-news
