يارا أيوب - خاص الأفضل نيوز
يعيش لبنان اليوم تحت وطأة واحدة من أقسى الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث، أزمة لم تقتصر تداعياتها على الأرقام والمؤشّرات المالية، بل انسحبت بثقلها على تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، وغيّرت نظرتهم إلى المستقبل وطموحاتهم الشخصية والمهنية.
فمنذ الانهيار المالي الذي بدأ عام 2019، دخلت البلاد في دوّامة من التضخّم الحادّ، وتراجع قيمة العملة الوطنية، وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة، ما جعل تأمين أبسط مقوّمات العيش تحدّيًا يوميًّا لغالبية اللبنانيين. فهل يدفع هذا الواقع الناس إلى التخلّي عن أحلامهم، أم إلى تغييرها والبحث عن بدائل للبقاء في وطن موجوع؟
إنّ هذا الواقع الاقتصادي القاسي فرض نفسه على مختلف الفئات الاجتماعية، حيث تآكلت القدرة الشرائية للرواتب، وبات الدخل الشهري عاجزًا عن مواكبة الارتفاع الجنوني في الأسعار. لم يعد التخطيط للمستقبل أولوية، بقدر ما أصبح التركيز موجّهًا إلى كيفية تأمين الحاضر، في ظلّ غياب الاستقرار الوظيفي وتراجع الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه والنقل. ومع ذلك، لم تنجح الأزمة في إخماد طموح اللبنانيين بالكامل، بل أعادت تشكيله ودفعت به إلى مسارات جديدة، أحيانًا قسرية وأحيانًا طوعية.
ويُعدّ الشباب اللبناني الأكثر تضرّرًا من الانهيار الاقتصادي، إذ وجد نفسه أمام خيارات صعبة: الهجرة بحثًا عن فرص عمل وحياة كريمة، أو البقاء ومحاولة الصمود في بلد تتقلّص فيه الإمكانيات يومًا بعد يوم.
كثيرون اضطرّوا إلى تغيير مساراتهم المهنية، أو العمل في أكثر من وظيفة لتأمين الحدّ الأدنى من الاستقرار، فيما لجأ آخرون إلى تطوير مهاراتهم في مجالات جديدة، كالتكنولوجيا والعمل عن بُعد، في محاولة لخلق فرص خارج الإطار الاقتصادي المحلي المنهك.
في المقابل، أعادت الأزمة تعريف مفهوم الطموح لدى شريحة واسعة من اللبنانيين. فبعد أن كان الحلم مرتبطًا بالترقّي الوظيفي أو تحسين المستوى المعيشي، أصبح الطموح اليوم مرتبطًا بالاستقرار والأمان، والقدرة على الاستمرار داخل الوطن دون الحاجة إلى الهجرة القسرية. هذا التحوّل يعكس حجم الضغط النفسي والاجتماعي الذي خلّفه الانهيار الاقتصادي، حيث بات المستقبل غامضًا ومعلّقًا على تطوّرات سياسية واقتصادية لا يملك المواطن العادي أيّ قدرة على التأثير فيها.
ورغم سوداوية المشهد، لا يزال هناك من يتمسّك بالأمل، معتبرًا أنّ الأزمات الكبرى قد تحمل في طيّاتها فرصًا لإعادة البناء.
فبعض القطاعات، كالسياحة والاقتصاد الرقمي والمبادرات الفردية، أظهرت قدرة نسبية على الصمود، وفتحت نافذة أمل أمام فئة من الشباب الطامحين إلى خلق واقع مختلف، ولو بإمكانيات محدودة. غير أنّ هذا الأمل يبقى هشًّا ما لم يُترجم بإصلاحات جدّية تعيد الثقة بالاقتصاد وتوفّر بيئة حاضنة للاستثمار والعمل.
في المحصّلة، يقف لبنان اليوم عند مفترق طرق حاسم، حيث يتصارع الواقع الاقتصادي الضاغط مع طموح مستقبل لا يزال حيًّا رغم كلّ الصعوبات.
وبين الانهيار والصمود، يواصل اللبنانيون معركتهم اليومية للحفاظ على أحلامهم، في انتظار لحظة إنقاذ حقيقية تعيد للاقتصاد توازنه، وللمستقبل معناه.

alafdal-news
