ريما الغضبان _ خاصّ الأفضل نيوز
لم تكن مهنةُ الصِّحافة والإعلام مهنةً عاديّةً يومًا ما، فطالما ارتبطت بالبحث والتفتيش لإيصال صوت الحقّ، لذا عُرفت "بمهنة البحث عن المتاعب". وفي يومها العالميّ، لا تكفي فقط التحيّةّ أمام كلّ ما قدّمه كلُ إعلاميٍّ في نقل الوقائعَ والأحداث، وخصوصًا في زمن الحروب من سوريا إلى فلسطين وكلِّ بقاع الأرض.
حددتِ الجمعيّةُ العامّة للأمم المتحدة، في عام ١٩٧٢ يومًا عالميًا للإعلام الإنمائيِّ الذي يُرادُ منه لفتُ انتباه الرّأي العام العالميّ لمشاكل التّنمية والحاجة إلى تعزيزِ التّعاون الدوليِّ من أجل حلّها. وقرّرتِ الجمعيّةُ العامّة أن يتوافقَ تاريخُ هذا اليوم العالميّ، من حيثُ المبدأ، مع يوم الأمم المتحدة في ٢٤ تشرين الأول/أكتوبر، وهو التّاريخُ الذي أُعتمدت فيه الاستراتيجيةُ الإنمائية الدّوليّة الثانية لعقد الأمم المتّحدة الإنمائي في العام ١٩٧٠.
في عالمٍ من الدمار والحروب والصراعات، كان لا بُدَّ من العمل على إيصال صوت الحقّ والتّخفيف من النزاعات بين الشعوب من جهة، وبين الشعوب وحكامها من جهةٍ أخرى، لعلّ السلامَ يحلُّ يومًا. ونظرًا لأهميّة الإعلام في تحريك المعارك أحيانًا، إما إيجابًا وإما سلبًا، وهذا يعود لمصداقيّة الإعلاميّ، والوسيلة الإعلاميّة التي من الممكن أن تكون كالوقود في إشعال الفتن.
المشكلةُ اليوم ليست في الإعلام المُسيَّس في عالمنا، بل بنقل الحقيقة، فكلُّ صحافيٍّ وإعلاميٍِّ إلا ما ندر، ينتمي إلى حزب معين وإن كان لا يكترثُ للقادة السّياسيّين فهو بشكلٍ أو بآخر يعملُ لصالح وسيلةٍ إعلاميّة مسيّسة. يقول صحافيٌّ في نيويورك تايمز: "أنا لا أنتمي لأيّ حزبٍ، ولكنني أتقاضى المال لنقلِ رأي السيّاسيّين". من هنا تظهرُ أهميّةُ المصداقيّة في نقل الوقائع وإلا فأننا سنجرُّ العالمَ إلى دمارٍ وحروب لا تُحمَد عقباه، وهذا ما يحصل اليوم في العالم العربيّ، فإنّ الكثيرَ من الإعلاميّين والوسائل الإعلامية باتت تعمل على نقل الفتن؛ لأجل مصالح شخصيّةٍ وحزبيةٍ وبالتّالي تدمير الأوطان.
في هذا اليوم، لا بُدّ أن نستذكرَ من دفعوا أرواحهم ثمنًا لنقل الحقيقة، فهذه شيرين أبو عاقلة التي استشهدت في فلسطين على يد العدوان الإسرائيلي. شيرين التي أبت أن تستسلمَ مهما كانت النتيجة. إلى مبارك العبادي الذي استشهد أثناء تغطيته معارك بمحافظة الجوف شمال اليمن، إلى إبراهيم العمر الذي كان ضحيّةَ غارةٍ جوية روسيّة في ريف إدلب السّوريّة، وغيرهم الكثير من الإعلاميين الذين كانوا ضحية صوت الحق، ورفع الظلم عن العالم العربيّ، ونشر الحقيقة التي كان الإعلامُ الغربيُّ يخفيها وخصوصًا أنَّ إسرائيل تقمع الفلسطينيين، وتسرقُ أرضهم.
إنَّ وسائلَ الإعلام لم تعد أداةً لنقل الحدث فقط، بل صارت المحرِكَ الذي يحرضُ الشعوب والأوطانَ على بناء رأي عامٍّ قادرٍ، إما على الإرتقاء بالبلاد إلى السلام، وإما جرُها إلى الخراب. فالسلطةُ الرابعة تقلبُ المعادلات باعتبارها حلقةَ وصلٍ بين احتياجات الجمهور، ومؤسسات الدولة والمجتمع. وأقربُ مثال على هذا، ثورات الربيعِ العربيِّ التي كادت أن تجرّ الكثير من البلدان إلى حافة الهاوية، ويعودُ الفضل إلى الوسائل الإعلامية التي عملت على التخفيف من تفاقم الأوضاع، والحدِّ من نشر الفتن.
في اليوم العالمي للإعلام تحيّةً طيّبةً لكلِّ إعلاميٍّ ما زال يعملُ بضميرٍ أمام كلّ ما نشهده من صراعاتٍ في العالم وعلى الخصوص عالمنا العربي. في اليوم العالميِّ للإعلام، تحيةً لكل وسيلةٍ إعلاميةٍ كانت طوق النجاة للكثير من الشعوب عبر نقل أوجاعهم واحتياجاتهم، فكم من مشرّدٍ ومريٍضٍ كان على حافَّةِ الموت إلى حين وصل صوته، فعادوا به إلى الحياة.
اليوم نستذكرُ قولًا ل"مالكوم أكس" (داعيةٌ إسلامية ومُدافع عن حقوق الإنسان): "وسائلُ الإعلام هي الكيانُ الأقوى على وجه الأرض، لديها القدرةُ على جعل المذنب بريئًا، وجعل الأبرياء مذنبين. وهذه هي السلطة لأنها تتحكمُ في عقول الجماهير".