هادي بو شعيا - الأفضل نيوز
في أوّل زيارةٍ منذ أربع سنوات لمسؤول أميركي بهذا المستوى إلى الصين، تحديدًا منذ زيارة سلفه الجمهوري مايك بومبيو عام 2018، يتوجّه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين يومَي 5 و6 شباط/فبراير.
تأتي هذه الزّيارة عقبَ اتفاق الرّئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ على هذه الزّيارة على هامش قمّة عُقدت في إندونيسيا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
تُعتبرُ الزّيارة بمثابة "اختبار" للعلاقات بين البلدين بهدف محاولة تهدئة التّوتّر مع الخصم الدبلوماسي والاقتصادي الرّئيسي للولايات المتحدة الأميركية.
إذ من المتوقّع أن يسعى بلينكن إلى رفعِ الحظرِ على الاتصالات الثّنائية رفيعة المستوى، بما في ذلك التّعاون في مكافحة المخدّرات والحوارات العسكريّة الذي فرضته بكين في آب/أغسطس الماضي، ردًّا على زيارة رئيسة مجلس النواب في ذلك الوقت، نانسي بيلوسي إلى تايوان.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ هناك قضايا خلافيّة عديدة بين بكين وواشنطن، أهمّها ملفّات تايوان وكوريا الشمالية وبحر الصين الجنوبي وأشباه الموصلات، وقد جعلت الولايات المتحدة المنافسة مع الصين أولويتها الاستراتيجية على المدى الطّويل.
في حين خفضَ بعض الخبراء من سقف التّوقّعات المبنيّة على هذه الزّيارة وما ستسفرُ عنه من نتائج تُسهم، بشكل أو بآخر، بتهدئة أو ربما خفض التّوتر الذي تشتدّ حدّته بين البلدين منذ أغسطس الماضي، لكن لم يستبعدوا إمكانية أن تمهّد للقاءات على مستوى أرفع.
بَيدَ أنّ وزارتَي خارجيتَي البلدين كانتا الأكثر اشتباكًا منذ اندلاع أزمة تايوان في آب/أغسطس الماضي، علمًا أن الخارجية الصينية عبًرت عن ترحيبها ببلينكن، مؤكّدة أنّ وزير الخارجية تشين جانغ سيكون على رأس مستقبليه. لكن، مؤخرًا، طفت على السّطح ملفّات ساخنة زادت منسوب التّوتّر بين البلدين لعلّ أبرزها:
- زيادة ميزانية دفاع اليابان التي اعتبرت الصين أنها المقصودة بها، وبتحريض من الولايات المتحدة الأميركية.
- أدّت الزّيارة التي أجراها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ لليابان وكوريا الجنوبية، واتهامه لبكين بمحاولة السّيطرة على بحر الصين الجنوبي، إلى غضب الصين التي ردّت باتهام واشنطن وأوروبا بمحاولة تأجيج الوضع في المنطقة.
- أعربَت الولايات المتحدة عن استيائها من قيام الصين بمناورات مستمرّة قرب تايوان، وتهديدها بتعطيل 60 في المئة من التّجارة التي تمرّ من هناك.
- اتهام الولايات المتحدة أيضًا الصين بتقديم دعم عسكريّ لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا.
أمام ذلك كله، يبدو أن العلاقة بين الصين وأميركا تحتاج إلى تفاهمات أكبر بكثير من تلك التي سيُجريها بلينكن مع نظيره الصيني. ذلك أن الزيارة تأتي بمثابة معاينة وتقييم من الولايات المتحدة لاختبار العلاقات بين البلدين قبل الإعداد للقاءات أكبر على مستوى أعلى.
ولعلّ ما يؤكّد هذه الفرضيّة أنّ الدولتين مارستا أفعالاً لم ترضِ الآخر، وتجلّى ذلك بوضوح في تقارب "الناتو" مع اليابان وكوريا الجنوبية وتعزيز القدرات الدّفاعية للبلدين على حساب الصين، بينما كانت الأخيرة تردُّ بمزيد من الإجراءات قرب تايوان لتوجيه رسالة لأميركا بأنّ التّجارة في المنطقة قد تكون في يد الصين إذا ما مورِسَ المزيد من الاستفزازات.
بناءً على ما ذكرناه آنفًا، تشي التّرجيحات بأنّ هذه الزّيارة قد تناقش بعض المشكلات البسيطة وليست العميقة؛ فهي أوّل زيارة بهذا المستوى منذ 5 سنوات تقريبًا. كما لم يخلُ الحديث عن تايوان في أي محادثات منذ فترة كبيرة، وستتصدّر جدول النّقاشات، ناهيك عن إجراء كوريا الشمالية المزيد من التّجارب الصّاروخية والذي قد يكون محورًا مهمًّا مع تيقّن واشنطن بأن الصين قادرة على الضغط لوقف هذه التجارب، لكن الصين لن تساعد أميركا في هذا قبل حلحلة المزيد من الأزمات بين الجانبين، بالإضافة إلى مناقشة مآلات الحرب الروسية الأوكرانية وما أسفرَ عنها حتّى اللّحظة، خصوصًا أنّ أميركا ترى أن بكين تُقدّم دعمًا سياسيًا وعسكريًا لروسيا في هذه الحرب، لكنها في الوقت نفسه ترى أن الصين لن تكون لاعبًا مهمًا في الفترة المقبلة في هذا الملف.
إذًا، ما بات مؤكّدًا أنّ هذه الزيارة لن تكون سببًا مباشرًا في تهدئة الأوضاع المشتعلة بين البلدين. لكن من الممكن أن تكون بداية لبحث بعض الأزمات والتفاوض حولها، خصوصًا أن الاتصال بين البلدين بلغ أدنى مستوياته منذ سنوات.