عبدالله قمح - خاص الأفضل نيوز
13 تشرين الأول ليس كما قبله، ولن يكون كما بعده. وإذا كان 13 تشرين الأول 1990 قد حمل عنوان “تحرير لبنان من سوريا”، فإن ما أُرسِي في 13 تشرين الأول 2025 يسير في اتجاه الدفع نحو “تحرير لبنان من حزب الله”.
“مشروع التحرير” المزعوم هذا، يتجسّد في مجموعة من السيناريوهات التي تصبّ في أهداف عدّة، ليست عسكرية كما يُروَّج، بل ذات طابع اقتصادي واضح. ويقوم هذا المشروع على “قطع الأوكسجين” عن رئة حزب الله، والمقصود هنا محاصرته عبر بيئته الحاضنة، حلفائه أو المقربين منه، أو حتى أولئك الذين يُشتبه في علاقتهم به. ويتجه هذا المسار إلى تعطيل كل القنوات التي تؤمّن للحزب السيولة النقدية أو الموارد المالية المباشرة وغير المباشرة.
في هذا السياق، لا يمكن عزل قضية إقفال الحسابات في شركة Wish Money عن إجراءات مماثلة طالت OMT أو بعض المصارف الأخرى، ولا عن ملاحقة من يُشتبه بتحويلهم أموالًا إلى لبنان من دول الخليج أو أفريقيا أو أميركا الجنوبية. كما يشمل هذا القرار ضرب رأس المال الشيعي في لبنان، واستهداف ما يُعدّ جزءًا من محاولات الطائفة للتعافي الاقتصادي، وهو ما يتجلى أيضًا في استهداف الجرافات والمعدات المرتبطة بإعادة الإعمار.
وإذا ما وسّعنا دائرة النظر، يمكن ملاحظة سلوك الإدارة الأميركية تجاه شخصيات لبنانية أمنية وعسكرية وسياسية، يجري التلويح بإدراجها ضمن قوائم العقوبات “غير المعلنة” أو “المعلّقة”، ومن بينها قائد الجيش العماد رودولف هيكل، الذي تتهمه بعض الجهات النافذة في واشنطن، ومن بينها أعضاء في مجلس الشيوخ، بأنه يُظهر ليونة تجاه حزب الله.
قضية هيكل لا تنفصل عن سيل الضغوط الموجّهة إلى رئيس الجمهورية، بدءًا من تلويح رئيس الحكومة نواف سلام بالاعتكاف، وصولاً إلى الحملات السياسية التي تشنها قوى مؤيدة للسعودية والولايات المتحدة عليه. ويتعامل قصر بعبدا مع هذه الضغوط عبر تقديم تنازلات إضافية، من أبرزها ما أعلنه الرئيس عون بالأمس عن استعداده للدخول في مفاوضات مع إسرائيل بوساطة أميركية، وهو موقف يتطابق كلياً مع الدعوة السابقة التي أطلقتها مورغان أورتاغوس – والتي رفضها عون آنذاك – لإنشاء لجان لبنانية – إسرائيلية مشتركة تُعنى بحلّ النقاط العالقة.
وكما تُبدي واشنطن تشدّدها حيال العماد هيكل باعتباره قائداً للجيش، وتورد تقارير تفيد بأنه يتعامل مع حزب الله ببرود ويرفض بعض الطلبات المتعلقة بدخول مناطق يسيطر عليها الحزب داخل الجنوب وخارجه، فإنها تشنّ حملة إعلامية وسياسية عليه، تقودها شخصيات مثل مورغان أورتاغوس التي تصفه بأنه “غير محترف” في مخاطبة الأميركيين، وصولاً إلى التلميح بضرورة عزله أو دفعه للاستقالة (على غرار تصريحات توم حرب).
الأمر نفسه ينسحب على الرئيس جوزاف عون، إذ تُحتجب عنه الدعوات للمشاركة في اللقاءات العربية والإسلامية ذات الطابع الدولي التي ترعاها واشنطن، سواء في نيويورك أو شرم الشيخ، في وقت تتكثف فيه المقالات الداخلية المتماهية مع الرؤية الأميركية، لتصويره رئيساً فقد الزخم والدعم الدولي، ودخل في “شيخوخة سياسية” قبل انقضاء عامه الأول في الحكم.
من الواضح أن رئيس الجمهورية، الذي أبدى بوضوح استعداده للدخول في ما سماه “مسار التسويات في المنطقة” واستعداده للتفاوض مع إسرائيل ورفضه للحروب – بالتزامن مع تصريحات ترامب من تل أبيب وشرم الشيخ – يوجّه رسائل تطمين مباشرة إلى واشنطن. وهو يعتمد خطاباً شبيهاً بلغة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع حين يتحدث عن أن سوريا لا تشكل خطراً على إسرائيل، لكن بلهجة أكثر دبلوماسية وأقل حدّة. ويأتي ذلك ضمن محاولات فريق الرئاسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على الصعيد الأميركي، وإعادة تصحيح العلاقة مع واشنطن، وكبح الأصوات المعادية له داخل البيت الأبيض.
أما واشنطن، التي أعادت وضع اتفاقية 17 أيار 1983 على طاولة البحث – تماماً كما يفعل بنيامين نتنياهو اليوم – فقد يكون فريق بعبدا قد استعاد هو الآخر هذه الورقة، خصوصاً أن بعض المقربين من الرئيس يستحضرون الاتفاقية القديمة ويقللون من سلبياتها، مقارنةً باتفاقية ترسيم الحدود البحرية عام 2022، والتي عاد إليها الرئيس عون مؤخرًا بوصفها “حدثاً كسر الجدار” مع إسرائيل.
وليس مستبعداً أن تكون هناك، في الغرف المغلقة والدوائر البعيدة عن الأضواء، نقاشات حول صيغة “معدّلة” من اتفاق 17 أيار، أكثر قابلية للتطبيق، تُدخل لبنان في مسار التسويات الإقليمية، أو عملياً في مسار الاتفاقات الإبراهيمية.