كمال ذبيان – خاص "الأفضل نيوز"
زيارةُ الرئيسِ السوري أحمد الشرع إلى روسيا كانت متوقَّعة، بالرغم من استضافةِ موسكو للرئيسِ السوري السابق بشّار الأسد وعائلتِه ومعاونين له، والدعمِ الروسيّ الذي قدّمته له أثناء وجودِه في السلطة في مواجهةِ قواتِ المعارضة، ومنهم "هيئةُ تحرير الشام" بقيادةِ الشرع، التي كانت تُقيمُ حكومةً لها في إدلب.
فبين الدولِ تسودُ المصالح، وهذا ما جرى بين روسيا وسوريا بعد سقوطِ النظامِ السوريّ السابق، إذ اتصل الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الشرع في شباط الماضي وهنّأه على تسلّمه السلطة، وأبلغه بأنّ روسيا تقف مع إرادةِ الشعبِ السوري، ويجب طيُّ صفحةِ الماضي، ولو كانت دمويةً وقاسية، وفتحُ صفحةٍ جديدةٍ في العلاقات التي تعود إلى عقودٍ، وتربطُ سوريا بروسيا بمعاهدةٍ قائمةٍ بينهما منذ العام 1971، أثناء حكمِ الرئيسِ السوريّ السابق حافظ الأسد، والاتحادِ السوفياتي برئاسةِ ليونيد بريجنيف.
فكلٌّ من روسيا وسوريا لم يُرِدا أن تنقطعَ العلاقةُ بينهما، فحصلت زياراتٌ متبادلةٌ لوزراءَ ومسؤولين من البلدين، بالرغم من محاولةِ أميركا جرَّ سوريا إليها، ومثلها فعلَ الاتحادُ الأوروبي، الذي ضغط على الحكمِ الجديد لإلغاء المعاهدةِ الروسية – السورية، ثم لإنهاءِ وجودِ قاعدتَي طرطوس البحرية وحميم الجوية، وإبعادِ روسيا عن المياهِ الدافئة والثرواتِ النفطية في البحرِ الأبيضِ المتوسط.
ولم تذهبْ سوريا الجديدة نحو الذوبانِ في الغرب، وأبقت تواصُلَها شرقًا مع الصين وروسيا. وأكّد الرئيسُ الشرع من موسكو على الصداقةِ مع روسيا وعدمِ الانقطاعِ عن الدولِ الأخرى، لأنّه يُدرك أنّ الانسلاخَ الفوريّ عن روسيا لن يُعوَّض من أميركا التي انفتحت عليه، وأبلغت الرئيسَ الشرع استعدادَها للاستثمارِ في سوريا، كما تفعل دولٌ عربية، ولا سيّما خليجيةٌ منها.
فقرّر الحكمُ الجديد أن يسيرَ بما تتطلّبه مصلحةُ سوريا، التي لها مصالحُ واسعةٌ اقتصاديًّا وعسكريًّا مع روسيا، ومنها اتفاقيةٌ للتنقيبِ عن الغاز لمدةِ 25 عامًا.
فخلال عامٍ من الحكمِ الجديد في سوريا، كانت اللقاءاتُ متواصلةً بين المسؤولين الروس والسوريين، وكانت التطميناتُ من الطرفين بأنّ سوريا لن تطلبَ تفكيكَ القاعدتين العسكريتين الروسيتين فيها.
وهذا ما أبلغه الرئيسِ الشرع ووزيرِ الخارجيةِ أسعد الشيباني لوزيرُ الخارجيةِ الروسي سيرغي لافروف قبل أشهر، وهو ما أعادَ التأكيدَ عليه الرئيسُ السوري أثناء زيارتِه لموسكو، التي تُريد من القاعدتَين أن تكونا مركزين لوجستيَّين لها لإيصالِ المساعداتِ إلى أفريقيا عن طريق البحرِ والجوّ.
وأبلغَ بوتين الشرع بأنّ روسيا ليست في واردِ دعمِ من تُسمّيهم سوريا الجديدة «فلولَ النظام السابق»، وهي غيرُ راغبةٍ بذلك، فنالَ الرئيسُ السوريُّ تطمينًا من الرئيسِ الروسيّ بأنّ مرحلةَ الأسد انتهت، وأنّ وجودَ بشّار في موسكو هو من بابِ الوفاءِ والعملِ الأخلاقيّ، إذ لم يشأ الرئيسُ بوتين البحثَ في تسليمِ الأسد إلى الحكمِ الجديد.
فالقيادةُ السوريةُ الجديدةُ تقرأُ المشهدَ المتغيّرَ في المنطقةِ بشكلٍ جيّد، واستوقَفها ما حصل في قمّةِ شرم الشيخ والتوقيعِ على اتفاقِ وقفِ الحربِ في غزّة. وهذه تطوّراتٌ توقّفت عندها السلطةُ السوريةُ التي، وفقَ مصادرَ دبلوماسيةٍ، تحاولُ أن تجمعَ حولَها الكثيرَ من الأصدقاء، وأن تنفتحَ على الجميع، ولن تُكرّرَ تجربةَ النظامِ السابق في التمحورِ مع دولٍ ضدَّ أخرى.
وهذا هو سرُّ زيارتِها إلى روسيا ولقائِها رئيسَها بوتين لإبلاغِ رسالةٍ إلى كلِّ الجهات، بأنّ سوريا لها مصالحُ استراتيجيةٌ وسياسيةٌ واقتصادية، وهي تقفُ معها، فإن رأتْها في موسكو لن تتأخّرَ عن التواصلِ معها، وكذلك في واشنطن وأيِّ مكانٍ في العالم، لأنّ المرحلةَ الجديدةَ هي مرحلةُ الانفتاحِ والتعاونِ وإعادةِ بناءِ سوريا وتعزيزِ استقرارِها، وستُوظِّفُ علاقاتِها من أجلِ ترسيخِ وحدةِ سوريا ومكوّناتِها.