مفيد سرحال - خاصّ الأفضل نيوز
منذ الاستقلال وحتى زمننا هذا لم يكن الاستحقاقُ الرئاسيُّ في لبنان حياكةً لبنانيةً على مستوى القرار والاختيار... ولن يكون... طالما أنَّ البلدَ مشدود زمامه لقوى إقليمية ودولية تمارس نفوذها من خلال وكلاء محليين مطيعين يلبسون مواقفهم لبوس الصالح العام في أرذل عملية تمويه شعاراتية للتعتيم على حجم القصور والاستتباع والعجز عن التعبير الحرِّ والإرادة المستقلة وشجاعة الموقف.
فتأتي السلوكياتُ استجابةً للإيحاءات الخارجية ،أما الضجيجُ والعجيج الرئاسيُّ فلا يعدو كونه كرنفالا متنقلا القصد منه الإيحاء بأنَّ الحراك المحليَّ ينتج رئيسا" والهدف إرضاء الذات والجمهور التابع ليس إلا ،وبالتالي الاستعراضُ اليوميُّ حول المساعي لانتخاب رئيس بالوسائط المحلية من دون كلمة سرٍّ أو تسوية إقليمية أو دولية يبقى بما لا يقبل الجدل وكما قال الشاعر (( حديث خرافة يا أم عمرو)).
والحال فإنَّ الرئيسَ العتيد (مهام ) مع كلِّ التقدير لمقام الأسماء المطروحة، فالمهام معقدةٌ تزدحم على حواشيها وفي صلبها ملفات ساخنة وعقد مستعصية وصيغة حكم متهالكة ثبت سقوطها مع زوال وظيفتها، وإقليم ملتهب يعاد ترتيبه، وجماعات تبحث عن ملاذات في النصوص والفرص الفضلى ومثلها من تساوره المخاوف والشكوك من أحابيل تحاك في السرِّ والعلن بدفع خارجيٍّ وحياكةٍ داخلية.
فالرئيسُ المنتظر مأمول منه الكثير لاسيما انتظام المؤسسات الدستورية وتشكيل حكومة جديدة تتنكب مسؤولية انقاذية تنتشل البلد من الاستنقاع في وحول الفساد والانحدار المريع لمعظم القطاعات الحيوية ذات الصلة بحياة الناس ما ينذر بتحقق نبؤات (باربارا ليف) حول تفكك وانهيار الدولة وانبعاث الفوضى من ركام المؤسسات.
المطلوبُ أولا: رئيس تطمئن المقاومة إلى أنه لن يطعنها أو يتآمر عليها أو يأتمر بالوشوشات الأميركية ،وهذا ما يترك دون شكٍّ ارتياحا لدى محور المقاومة لاسيما إيران وسوريا.
ثانيا: رئيس يُطمئن الطائفة السنية بحيث لا يمس صيغة الطائف تعديلا أو تأويلا أو بأيِّ شكل من أشكال مقاربة صلاحيات رئيس الحكومة والانتقاص من دوره المتقدم في الجمهورية الثانية، وهذا من شأنه أن يريحَ السعودية الرافضة لتعديل حرف واحد في اتفاق الطائف تماشيًا مع ما أعلنه السفير البخاري جهارًا نهارا.
ثالثا: رئيس يحفظ الدور المسيحيَّ ويضع حدًّا للهجرة المسيحية في ظلِّ الخلل الديمغرافيِّ العدديِّ والامتيازات التي تقلصت عقب اتفاق الطائف للمسيحيين عموما والموارنة على وجه التحديد.
إنَّ هذه المواصفاتِ لا بل المهام التي يجب أن يضطلع عليها الرئيس العتيد ،يستحيل الركون إلى إمكانية بلورتها محليًّا نظرا لتشابكها حدَّ الاشتباك والتصادم وتمفصلها مع الخارج الحاضر معنويًّا ومصلحيًّا في أدقِّ التفاصيل لاسيما وأنَّ لبنان في قلب تجاذبات ساحات الصراع الإقليميِّ المفتوح بين هذه القوى لتحسين وتحصين الشروط ،ما يعني أنَّ رئيسًا بهذه الصفات والمعايير توكل إليه ما أسلفنا من مهام ووظائف يحتاج إلى تسوية إقليمية لم تنضج بعد شروطها مع العلم أنَّ إشارات ومؤشرات كثيرة توحي باقتراب نهايات سعيدة على مستوى التقاطعات في الإقليم .
باختصار ،لا ينتظرنَّ أحدٌ مَلءَ الكرسيِّ الشاغر في بعبدا قبل تقارب ال (س . س )أي سوريا والسعودية وال (ا.س) أي إيران والسعودية ،و(متى رأيتم أوراق التين تفتحت فاعلموا أنَّ الربيع قد أتى) وإلى ربيع تسوويٍّ إقليميٍّ حتى تنفرج رئاسيًّا وإلا فنحن أمام انفجارٍ محليٍّ كل عوامله تشكل صاعقة متوفرة ...