علي ناصر- خاصّ الأفضل نيو
تمهيد
علقت الولايات المتحدة الأمريكية تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا" الذي يبلغ عددهم 5.9 مليون مواطن فلسطيني، ولحقت بها مجموعة من الدول الغربية، في خطوة تحمل مخاطر وتداعيات سياسية واقتصادية تشمل لبنان، سوريا، والأردن، ومصير القضية الفلسطينية نفسها، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية والاجتماعية. تعمل إسرائيل بشكل دؤوب على تصفية الأونروا باعتبارها الكيان الدولي الذي يعطي الشرعية الدولية بوجود لاجئين طردوا من أرضهم ويحق لهم العودة.
وظائف الأونروا
نشأت وظائف الأونروا من واقع اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من بلادهم، وعكست الأمم المتحدة ذلك في نص القرار 302، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949 وتضمن القرار وظيفتين أساسيتين؛ الوظيفة الأولى: إغاثة اللاجئين الفلسطينيين بشكل دائم ومستمر بغية "تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم"، والوظيفة الثانية: تشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، بالتعاون مع الحكومات المعنية، سواء الدفع بالشباب للعمل لحسابهم الخاص، أو تأهيلهم للدخول إلى سوق العمل بالكفاءة المطلوبة.
بدأت وكالة الأونروا عملها في شهر أيار/ مايو 1950، وتجدد لنفسها كل ثلاث سنوات لأن مبرر وجودها ما زال قائماً، أي مشكلة اللاجئين، بل زادت أعباءها بفعل ازدياد أعداد اللاجئين الذي ارتفع من 750000 ألف لاجئ عام 1949 إلى 5.9 مليون لاجئ فلسطيني يتوزعون على الشكل التالي: الأردن 2.4 مليون لاجىء، قطاع غزة 1.6 مليون لاجئ، الضفة الغربية 910000 ألف لاجئ، سوريا 580000 ألف لاجئ، لبنان 48700 ألف لاجئ. توزع الأونروا خدماتها على التعليم 58 %، الصحة 15 %، إسناد وإغاثة 13 %، الخدمات الاجتماعية 6 %، البنية التحتية وتحسين المخيمات 4 % ، والنسبة الباقية على النفقات الإدارية.
لا يمكن فصل وظيفة الأونروا عن الهدف من إنشائها، تحقيق الهدف يؤدي إلى إنهاء الوظيفة، هذا يفسر استمرارها منذ 1949 حتى 2024 وقد تستمر طالما أن تسوية قضية اللاجئين لم تكتمل. يتمسك الفلسطينيون بالأونروا بصفتها الكيان الرسمي الدولي الذي يعطي صفة الشرعية والقانونية لحق العودة، بينما تدفع إسرائيل إلى تصفية الأنروا باعتبار تحقيق الغاية من إنشائها سيؤدي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين وضرب أسس الكيان والفكر الصهيوني، لذلك تقوم إسرائيل بالتركيز على وظيفة الأونروا والعمل على ضربها وتشويهها سواء من خلال الأداء الوظيفي أو وقف وتقطير عملية التمويل، وتجلٌى ذلك بالتصويت الإسرائيلي ضد التجديد للأونروا في الجمعية العامة في كانون الأول/ ديسمبر 2022.
موارد الأونروا
تضمن قرار إنشاء الأنروا آلية تمويلها وطلب من جميع "الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التبرع التطوعي نقدًا أو عينًا". يتضح من النص أن التمويل لا يأتي من ميزانية الأمم المتحدة، أو من المساهمات المقررة للدول الأعضاء، أي أن التمويل إرادي، طوعي يمكن لأي دولة المساهمة به. تقدر ميزانية الأونروا 1.630 مليار دولار عام 2023. تتلقى الأونروا الدعم المالي عبر الحكومات، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، الاتحاد الأوروبي، والسويد، أكبر المانحين في عام 2022 حيث بلغ ما نسبته 61.4 % من إجمالي تمويل الوكالة الذي قدر 1.6 مليار دولار.
أوقفت الولايات المتحدة دعمها للأونروا عام 2018 في عهد الرئيس دونالد ترامب، لكن الرئيس جو بايدن قام باستئناف الدعم عام 2021، ثم عادت الولايات المتحدة وعلقت تمويلها في 27 كانون الثاني/ يناير 2024، ولحقت بها حتى الآن 17 دولة على خلفية الادعاء الإسرائيلي بمشاركة 12 موظفاً من الأونروا بعملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في عملية استغلال سياسي يهدف إلى تصفية الأونروا عبر إفقادها مقومات بقائها، في إشارة واضحة على التذبذب الأمريكي في التعامل معها. لا تريد الولايات المتحدة دولة فلسطينية، وتريد في نفس الوقت إنهاء قضية اللاجئين ، ولا تريد أن تظهر ذلك، وتريد في نفس الوقت أن تمسك بالقرار المالي للأونروا، ولا تريد أن تسمح لأحد غيرها وغير حلفائها من التحكم بموارد الأونروا وتنتظر الفرصة أو المبرر للتخلي عنها، وهنا تختلف التقديرات عند الإدارات الأمريكية التي تتناوب على الحكم، تريد الولايات المتحدة، أن تحقق كل تلك التناقضات من دون دفع أي كلفة سياسية.
تساهم العديد من الدول العربية والإسلامية في تمويل الأونروا بشكل متفاوت، ولكن تبقى المساهمة الكبرى للدول الغربية، والملاحظ أن الدول المناوئة للسياسات الأمريكية والغربية لا يوجد لديها إعانات أو مساهمات في موارد الأونروا وإذا وجدت فهي محدودة وشكلية.
وتتلقى الأونروا مساهمات من القطاع الخاص، سواء من أفراد، ومنظمات غير حكومية، وشركات محلية وعالمية تزود الأونروا بدعم مالي وخبرات متنوعة. وتغطي الأمم المتحدة جزءا من ميزانية الأونروا تتعلق بالنفقات الإدارية، ورواتب الموظفين الذي يبلغ عدد الفلسطينيين منهم 30000 ألف موظف.
لماذا تريد إسرائيل إنهاء عمل الأونروا
تمثل الأونروا الهيئة الشرعية الدولية التي تؤكد وجود لاجئين فلسطينيين، وأن هناك شعبا فلسطينيا مارست إسرائيل العنف بحقه واقتلعته من أرضه. تأسيس الأونروا نفسها يؤكد هذا الحق بصفتها تختلف عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (مفوضية اللاجئين) التي تعمل على دمج اللاجئين والنازحيين بالمجتمعات والدول التي يقيمون فيها.
تعتبر إسرائيل إنهاء الأونروا المدخل لإنهاء قضية عودة اللاجئين بصفتها القانونية والشرعية الدولية، والكارثة على إسرائيل أن عدد اللاجئين المسجلين ارتفع من 750000 ألف عام 1948 إلى 5.9 مليون لاجئ فلسطيني باعتبار أن صفة اللاجئ أعطيت لأبناء وأحفاد اللاجئين وعودتهم تهدد فعليا الديموغرافيا داخل "دولة إسرائيل"، لذلك يدفع الكيان الصهيوني إلى دمج اللاجئين وتوطينهم في الدول التي يقيمون فيها، والدفع إلى وضعهم تحت مسؤولية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ونقل ميزانية الأونروا إلى حكومات الدول التي يقيم فيها اللاجئون. في هذا السياق تأتي عملية تشويه صورة الأونروا سواء من خلال الاعتراض عل بنيتها الوظيفية وعدد الموظفين الفلسطينيين المنتسبين إليها، أم من خلال اتهام موظفيها بالانتماء إلى فصائل المقاومة والتنظيمات الفلسطينية وهو أمر بديهي وطبيعي وقائم منذ أن بدأت مهام الأنروا تكبرا بفعل ازدياد عدد اللاجئين والأمر لم يكن يطرح إلا بعد أن صنفت الولايات المتحدة فصائل المقاومة بالمنظمات الإرهابية. مسألة إنهاء عمل الأنروا كانت تشغل بال المفاوضين الإسرائيليين خلال لقائتهم المتكررة مع الفلسطينيين بعد توقيع اتفاقية أسلو عام 1993، حيث نوقشت مسألة إنهاء عمل الأنروا في اتفاقية طابا 2001 خلال فترة زمنية تمتد إلى خمس سنوات، لكن ذلك سيكون له تداعيات ومخاطر قد تضرب الأمن والاستقرار في المنطقة
مخاطر تصفية الأنروا
إن النتائج الكارثية والمخاطر التي ستنتج عن تصفية عمل الأنروا ستشمل اتجاهات إنسانية مباشرة تتعلق بالشعب الفلسطيني لتلامس 5.9 مليون لاجئ وسيكون وقعه كبيرا في مجال التعليم حيث تنفق الأنروا 58 % من ميزانيتها، و15 % من ميزانيتها على الصحة والاستشفاء، والميزانية الباقية تتعلق بالخدمات الاجتماعية والإسناد وتحسين المخيمات.
سيؤدي إنهاء الأنروا الى انتشار المخاطر السياسية في الدول المعنية وهي دول تعاني أساساً من توازن ديموغرافي دقيق وإمكانية انتشار الفوضى ترتفع لمجرد وجود هذا العدد الهائل من المقيمين من دون أي أفق أو أمل وتصبح الأعباء الاقتصادية على تلك الدول كبيرة من حيث تقديم الخدمات العامة مما يزيد الكلفة ويؤثر على الميزانية العامة بالإضافة الى الأخطار الاجتماعية نتيجة لانتشار الفقر وانعدام الأمل.
أخطر ما يفرضه تصفية الأنروا هي الطريقة المشينة التي تلجأ إليها إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموماً واستخدام الموارد المالية والحجج الواهية لتصفية الأنروا كمقدمة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وكمقدمة بدورها لتصفية القضية الفلسطينية ونزع الغطاء الدولي القانوني والشرعي عنها. إن توجيه الإتهام ل 12 شخص بالانتماء الى حركة حماس والجهاد من أصل 30000 موظف فلسطيني حجة ضعيفة وواهية، والسؤال هل الأنروا تمنع من ينتمي إلى حركة حماس والجهاد أو فتح أو أي فصيل فلسطيني مقاوم من الانتماء إليها. هذا الإتجاه سيؤدي كفعل من الولايات المتحدة والغرب الى تقويض مفهوم الشرعية الدولية والمؤسسات الدولية ويكسر القرارات التي تصدرها الجمعية العامة ويضعف دور الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
استنتاج
التمويل الأمريكي والغربي للأنروا هدفه التحكم بمصيرها، والتخلي عنها في لحظة دولية حاسمة، ووصف موظفوها بأنهم ينتمون إلى حركة حماس المصنفة إرهابية وفق اللوائح الأمريكية رسالة تخويف وردع للآخريين دولا وكيانات. تبحث الولايات المتحدة عن اللحظة الدولية والإقليمية التي تدفعها لتصفية الأنروا.
مهما كان مصير الأنروا ومهما كانت القوة الأمريكية، مصير القضية الفلسطينية تحددها المقاومة الفلسطينية والأطر الداعمة لها. انتهاء "دولة إسرائيل" سيؤدي إلى نهاية وتضرر المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وهذا يؤشر على الدوافع الأمريكية لكيفية التعامل مع الأنروا والقضية الفلسطينية. على الدول العربية والإسلامية والعالمية وخاصة تلك المناوئة للسياسة الأمريكية أن تعمل على تأمين الموارد المالية المستدامة للأنروا. يفترض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حل القضية الفلسطينية وإنهاء "دولة إسرائيل" بصفتها كيانا غريبا عن طبيعة وثقافة المنطقة ووجودها مبني على منطق القوة، طالما الصراع قائم هناك مبررات لوجود الأنروا. وليس من مصلحة الدول العربية والإسلامية زوال الأنروا وعليهم المبادرة بشكل جماعي لإيجاد موارد مالية مستدامة تجعل الأنروا أكثرا ثباتا وتصفيتها غير ممكنة.